وكان نتيجة هذا أن توارى كثير من الكذابين، وكفوا عن كذبهم، كما أصبح عند العامة وعي جيد: يميزون به بين المتطفلين على الحديث وأهله ورجاله الثقات، ويدل على هذا ما رواه ابن حجر عن يزيد بن هارون قال:«كان جعفر بن الزبير وعمران بن حُدَيْرٍ في مسجد واحد مصلاهما، وكان الزحام على جعفر بن الزبير وليس عند عمران أحد، وكان شعبة يمر بهما فيقول: يا عجبًا للناس! اجتمعوا على أكذب الناس وتركوا أصدق الناس، قال يزيد: فما أتى عليه قليل حتى رأيت ذلك الزحام على عمران، وتركوا جعفرًا وليس عنده أحد»(٢). وكان الناس لا يجرؤون على الكذب في زمن سفيان الثوري، لأنه كان شديدًا على الكذابين: يكشف عنهم، ويبين عوارهم، وفيه قال قتيبة بن سيعد:«لَوْلاَ سُفْيَانُ لَمَاتَ الوَرَعُ»(٣).
رَابِعًا - بَيَانُ أَحْوَالِ الرُوَّاةِ:
وكان لا بد للصحابة والتابعين ومن تبعهم من معرفة رواة الحديث،
(١) " صحيح مسلم بشرح النووي ": ص ٩٩ جـ ١، وكان الحارث الأعور كذابًا من غلاة الشيعة، توفي سَنَةَ (٦٥ هـ)، انظر " صحيح مسلم بشرح النووي ": ص ٩٨ و ٩٩ جـ ١، وانظر " ميزان الاعتدال ": ص ٢٠٢ جـ ١، ومُرَّةُ بْنُ شَرَاحِيلَ الهَمْدَانِيُّ، أبو إسماعيل الكوفي تابعي ثقة عابد جليل توفي سَنَةَ (٧٦ هـ)، انظر " تهذيب التهذيب ": ص ٨٨، ٨٩ جـ ١٠. (٢) " تهذيب التهذيب ": ص ٩١ جـ ٢. (٣) " الكامل " لابن عدي: ص ٢ جـ ١.