للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال: فزع الشيطان عن قلوبهم وفارقهم وأمانيهم وما كان يضلهم، (قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) قال: وهذا في بني آدم، هذا عند الموت، أقروا حين لا ينفعهم الإقرار.

وقد اختار ابن جرير القول الأول: أن الضمير عائد على الملائكة (١). هذا هو الحق الذي لا مرية فيه، لصحة الأحاديث فيه والآثار، ولنذكر منها طرفا يدل على غيره:

قال البخاري عند تفسير هذه الآية الكريمة في صحيحه: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو، سمعت عِكْرِمة، سمعت أبا هُرَيرة (٢) يقول: إن نبي الله قال: "إذا قضى الله الأمرَ في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خُضعانًا لقوله، كأنه سلسلة على صفوانَ، فإذا فُزِّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: الحقّ، وهو العلي الكبير فيسمعها مُسْتَرق السمع، ومسترق السمع -هكذا بعضه (٣) فوق بعض-ووصف سفيان بيده-فَحَرّفها وبَدّد (٤) بين أصابعه-فَيسمع الكلمة، فيلقيها إلى مَنْ تحته، ثم يلقيها الآخر إلى مَنْ تحته، حتى يلقيَها على لسان الساحر (٥) أو الكاهن، فَربما أدركه الشّهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كَذْبَة، فيقال: أليس قد قال لنا يومَ كذا وكذا: كذا (٦) وكذا؟ فيصدّق بتلك الكلمة التي سُمعت من السماء.

انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم من هذا الوجه. وقد رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، من حديث سفيان بن عيينة، به. (٧)

حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر وعبد الرزاق: أخبرنا مَعْمَر، أخبرنا الزهري، عن علي بن الحسين، عن ابن عباس قال: كان رسول الله [جالسًا] (٨) في نفر من أصحابه -قال عبد الرزاق: "من الأنصار"-فَرُميَ بنجم فاستنار، [قال] (٩): " ما كنتم تقولون إذا كان مثلُ هذا في الجاهلية؟ " قالوا: كنا نقول يُولَد عظيم، أو يموت (١٠) عظيم -قلت للزهري: أكان يرمى بها في الجاهلية؟ قال: نعم، ولكن غُلّظت حين بعث النبي -قال: فقال رسول الله : "فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربنا، ، إذا قضى أمرا سبح حَمَلةُ العرش [ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح هذه (١١) الدنيا، ثم يستخبر أهل السماء الذين يَلُونَ حملة العرش، فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش] (١٢): ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم، ويخبر أهل كل سماء سماء؛ حتى ينتهي الخبر إلى هذه السماء، وتخطف الجن السمع فيرمون، فما جاؤوا به على وجهه فهو حق، ولكنهم يفرقون فيه ويزيدون.

هكذا رواه الإمام أحمد (١٣). وقد أخرجه مسلم في صحيحه، من حديث صالح بن كَيْسَان،


(١) تفسير الطبري (٢٢/ ٦٤).
(٢) في ت: "قال البخاري عند تفسيره هذه الآية الكريمة في صحيحه بإسناده عن أبي هريرة".
(٣) في أ: "بعضهم".
(٤) في أ: "وسدد".
(٥) في أ: "الآخر".
(٦) في أ: "وكذا، يوم كذا".
(٧) صحيح البخاري برقم (٤٨٠٠) وسنن أبي داود برقم (٣٩٨٩) وسنن الترمذي برقم (٣٢٢٣) وسنن ابن ماجه برقم (١٩٤).
(٨) زيادة من ت، س، والمسند.
(٩) زيادة من ت، س، والمسند.
(١٠) في ت، س: "ويموت".
(١١) في تـ س: "السماء".
(١٢) زيادة من ت، س، والمسند.
(١٣) المسند (١/ ٢١٨).