الخلق كلهم فقراء إليه، عبيد لديه.
قال قتادة في قوله: (وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ)، من عون يعينه بشيء.
﴿وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣)﴾.
وقال: (١) (وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) أي: لعظمته [وجلاله] (٢) وكبريائه لا يجترئ أحد أن يشفع عنده تعالى في شيء إلا بعد إذنه له في الشفاعة، كما قال تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة: ٢٥٥]، وقال: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ [وَيَرْضَى] (٣)﴾ [النجم: ٢٦]، وقال: ﴿وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٨].
ولهذا ثبت في الصحيحين (٤)، من غير وجه عن رسول الله ﷺ -وهو سيد ولد آدم، وأكبر شفيع عند الله-: أنه حين يقوم المقام المحمود ليشفع في الخلق كلّهم أن يأتي ربّهم لفصل القضاء، قال: "فأسجد لله فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ويفتح علي بمحامد لا أحصيها الآن، ثم يقال: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يُسمع (٥)، وسل تُعْطَه واشفع تشفع" الحديث بتمامه.
وقوله: (حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ). وهذا أيضا مقام رفيع في العظمة. وهو أنه تعالى إذا تكلم بالوحي، سمع أهل السموات كلامه، أرْعدوا من الهيبة حتى يلحقهم مثل الغشي. قاله ابن مسعود ومسروق، وغيرهما.
(حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِم) أي: زال الفزع عنها. قال ابن عباس، وابن عمر وأبو عبد الرحمن السلمي والشعبي، وإبراهيم النَّخَعيّ، والضحاك والحسن، وقتادة في قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِم) يقول: جُلِّى عن قلوبهم، وقرأ بعض السلف -وجاء مرفوعا-: " [حَتَّى] (٦) إذَا فرغ" بالغين (٧) المعجمة، ويرجع إلى الأول.
فإذا كان كذلك يسأل بعضهم بعضا: ماذا قال ربكم؟ فيخبر بذلك حملة العرش للذين يلونهم، ثم الذين يلونهم لمن تحتهم، حتى ينتهي الخبر إلى أهل السماء الدنيا؛ ولهذا قال: (قَالُوا الْحَقّ) أي: أخبروا بما قال من غير زيادة ولا نقصان، (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ).
وقال آخرون: بل معنى قوله: (حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) يعني: المشركين عند الاحتضار، ويوم القيامة إذا استيقظوا مما كانوا فيه من الغفلة في الدنيا، ورجعت إليهم عقولهم يوم القيامة، قالوا: ماذا قال ربكم؟ فقيل لهم: الحق وأخبروا به مما كانوا عنه لاهين في الدنيا.
قال ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ): كشف عنها الغطاء يوم القيامة.
وقال الحسن: (حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) يعني: ما فيها من الشك والتكذيب. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: (حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) يعني: ما فيها من الشك،
(١) في ت: "ثم قال".
(٢) زيادة من أ.
(٣) زيادة من ت، أ.
(٤) تقدمت أحاديث الشفاعة عند تفسير الآية: ٧٩ من سورة الإسراء.
(٥) في س، أ: "تسمع".
(٦) زيادة من أ.
(٧) في ت: "بالعين".