يقول تعالى:(قُلْ) يا محمد، لهؤلاء المشركين بربهم المدعين، أنهم على الحق وأنكم على الباطل:(مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ) أي: منا ومنكم، (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا) أي: فأمهله الرحمن (١) فيما هو فيه، حتى يلقى ربه وينقضي (٢) أجله، (إِمَّا الْعَذَابَ) يصيبه، (وَإِمَّا السَّاعَةَ) بغتة تأتيه، (فَسَيَعْلَمُونَ) حينئذ (مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا)[أي](٣): في مقابلة ما احتجوا به من خيرية المقام وحسن الندي.
قال مجاهد في قوله:(فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا) فليدعه الله في طغيانه. هكذا قرر ذلك أبو جعفر بن جرير، ﵀.
وهذه مباهلة للمشركين الذين يزعمون أنهم على هدى فيما هم فيه (٤)، كما ذكر تعالى مباهلة اليهود في قوله: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الجمعة: ٦] أي: ادعوا على المبطل منا ومنكم بالموت (٥) إن كنتم تدعون أنكم على الحق، فإنه لا يضركم الدعاء، فنكلوا عن ذلك، وقد تقدم تقرير ذلك في سورة "البقرة" مبسوطا، ولله الحمد. وكما ذكر تعالى المباهلة مع النصارى في سورة "آل عمران" حين (٦) صمموا على الكفر، واستمروا على الطغيان والغلو في دعواهم أن عيسى ولد الله، وقد ذكر الله حُجَجه وبراهينه على عبودية عيسى، وأنه مخلوق كآدم، قال (٧) بعد ذلك: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ [آل عمران: ٦١] فنكلوا أيضًا عن ذلك.
لما ذكر [الله](٨) تعالى إمداد من هو في الضلالة فيما هو فيه وزيادته على ما هو عليه، أخبر بزيادة المهتدين هُدى كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [التوبة: ١٢٤، ١٢٥].
(١) في ت، ف، أ: "الله". (٢) في أ: "ويقضي". (٣) زيادة من أ. (٤) في أ: "وهذه مباهلة للمشركين الذين يزعمون على هدى قيامهم". (٥) في ف: "أي ادعوا بالموت على المبطل منا ومنكم"، وفي أ: "أي ادعوا بالموت على المبطل منا أو منكم". (٦) في أ: "حتى". (٧) في ت: "وقال". (٨) زيادة من ت.