من قال يومًا من الدهر:"لا إله إلا الله"(١) وإن لم يعمل خيرًا قط، ولا يبقى في النار إلا من وجب عليه الخلود، كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله ﷺ؛ ولهذا قال تعالى:(ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا)
يخبر تعالى عن الكفار حين تتلى (٢) عليهم آيات الله ظاهرة الدلالة بينة الحجة واضحة البرهان: أنهم يصدون عن ذلك، ويعرضون ويقولون عن الذين آمنوا مفتخرين عليهم ومحتجين على صحة ما هم عليه من الدين الباطل بأنهم:(خَيْرٌ مَقَامًا وأَحْسَنُ نَدِيًّا)[أي: أحسن منازل وأرفع دورًا وأحسن نديا](٣)، وهو مجمع الرجال للحديث، أي: ناديهم أعمر وأكثر واردًا وطارقًا، يعنون: فكيف نكون ونحن بهذه المثابة على باطل، وأولئك [الذين هم](٤) مختفون مستترون في دار الأرقم بن أبي الأرقم ونحوها من (٥) الدور على الحق؟ كما قال تعالى مخبرًا عنهم: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾ [الأحقاف: ١١]. وقال قوم نوح: ﴿أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ﴾ [الشعراء: ١١١]، وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾ [الأنعام: ٥٣]؛ ولهذا قال تعالى رادًّا عليهم شبهتهم:(وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ) أي: وكم من أمة وقرن من المكذبين قد أهلكناهم بكفرهم، (هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا) أي: كانوا أحسن من هؤلاء أموالا وأمتعة ومناظر وأشكالا.
[و](٦) قال الأعمش، عن أبي ظَبْيَان، عن ابن عباس:(خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) قال: المقام: المنزل، والندي: المجلس، والأثاث: المتاع، والرئي: المنظر.
وقال العوفي، عن ابن عباس: المقام: المسكن، والندي: المجلس والنعمة والبهجة التي كانوا فيها، وهو كما قال الله لقوم فرعون حين (٧) أهلكهم وقص شأنهم في القرآن: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ (٨) وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾ [الدخان: ٢٥، ٢٦]، فالمقام: المسكن والنعيم، والندي: المجلس والمجمع الذي كانوا يجتمعون فيه، وقال [الله](٩) فيما قص على رسوله من أمر قوم لوط (١٠): ﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ [العنكبوت: ٢٩]، والعرب تسمي المجلس: النادي.
وقال قتادة: لما رأوا أصحاب محمد ﷺ في عيشهم خشونة، وفيهم قشافة، تَعَرّض (١١) أهل الشرك بما تسمعون (١٢): (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) وكذا قال مجاهد، والضحاك.
ومنهم من قال في الأثاث: هو المال. ومنهم من قال: المتاع. ومنهم من قال: الثياب، والرئي: المنظر كما قال ابن عباس، ومجاهد وغير واحد.
(١) في ف: "من قال: لا إله إلا الله يوما من الدهر". (٢) في ف: "يتلى". (٣) زيادة من ف، أ. (٤) زيادة من ف، أ. (٥) في ت: "في". (٦) زيادة من ت. (٧) في ت: "حتى". (٨) في ت، ف، أ: "وكنوز". (٩) زيادة من ت، ف. (١٠) في أ: "لوط إذ قال". (١١) في ت: "وفيهم". (١٢) في ت، ف، أ: "يسمعون"