للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من قال يومًا من الدهر: "لا إله إلا الله" (١) وإن لم يعمل خيرًا قط، ولا يبقى في النار إلا من وجب عليه الخلود، كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله ؛ ولهذا قال تعالى: (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا)

﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (٧٤)﴾.

يخبر تعالى عن الكفار حين تتلى (٢) عليهم آيات الله ظاهرة الدلالة بينة الحجة واضحة البرهان: أنهم يصدون عن ذلك، ويعرضون ويقولون عن الذين آمنوا مفتخرين عليهم ومحتجين على صحة ما هم عليه من الدين الباطل بأنهم: (خَيْرٌ مَقَامًا وأَحْسَنُ نَدِيًّا) [أي: أحسن منازل وأرفع دورًا وأحسن نديا] (٣)، وهو مجمع الرجال للحديث، أي: ناديهم أعمر وأكثر واردًا وطارقًا، يعنون: فكيف نكون ونحن بهذه المثابة على باطل، وأولئك [الذين هم] (٤) مختفون مستترون في دار الأرقم بن أبي الأرقم ونحوها من (٥) الدور على الحق؟ كما قال تعالى مخبرًا عنهم: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾ [الأحقاف: ١١]. وقال قوم نوح: ﴿أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ﴾ [الشعراء: ١١١]، وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾ [الأنعام: ٥٣]؛ ولهذا قال تعالى رادًّا عليهم شبهتهم: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ) أي: وكم من أمة وقرن من المكذبين قد أهلكناهم بكفرهم، (هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا) أي: كانوا أحسن من هؤلاء أموالا وأمتعة ومناظر وأشكالا.

[و] (٦) قال الأعمش، عن أبي ظَبْيَان، عن ابن عباس: (خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) قال: المقام: المنزل، والندي: المجلس، والأثاث: المتاع، والرئي: المنظر.

وقال العوفي، عن ابن عباس: المقام: المسكن، والندي: المجلس والنعمة والبهجة التي كانوا فيها، وهو كما قال الله لقوم فرعون حين (٧) أهلكهم وقص شأنهم في القرآن: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ (٨) وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾ [الدخان: ٢٥، ٢٦]، فالمقام: المسكن والنعيم، والندي: المجلس والمجمع الذي كانوا يجتمعون فيه، وقال [الله] (٩) فيما قص على رسوله من أمر قوم لوط (١٠): ﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ [العنكبوت: ٢٩]، والعرب تسمي المجلس: النادي.

وقال قتادة: لما رأوا أصحاب محمد في عيشهم خشونة، وفيهم قشافة، تَعَرّض (١١) أهل الشرك بما تسمعون (١٢): (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) وكذا قال مجاهد، والضحاك.

ومنهم من قال في الأثاث: هو المال. ومنهم من قال: المتاع. ومنهم من قال: الثياب، والرئي: المنظر كما قال ابن عباس، ومجاهد وغير واحد.


(١) في ف: "من قال: لا إله إلا الله يوما من الدهر".
(٢) في ف: "يتلى".
(٣) زيادة من ف، أ.
(٤) زيادة من ف، أ.
(٥) في ت: "في".
(٦) زيادة من ت.
(٧) في ت: "حتى".
(٨) في ت، ف، أ: "وكنوز".
(٩) زيادة من ت، ف.
(١٠) في أ: "لوط إذ قال".
(١١) في ت: "وفيهم".
(١٢) في ت، ف، أ: "يسمعون"