وقرأ ذلك أُبيّ بن كعب:"وقد تركوك أن يعبدوك وآلهتك"، حكاه ابن جرير.
وقال آخرون: هي عاطفة، أي: لا تدع موسى يصنع هو وقومه من الفساد ما قد أقررتهم (١) عليه وعلى تركه آلهتك.
وقرأ بعضهم:"إلاهتك" أي: عبادتك، ورُوي ذلك عن ابن عباس ومجاهد.
وعلى القراءة الأولى قال بعضهم: كان لفرعون إله يعبده. قال الحسن البصري: كان لفرعون إله يعبده في السر. وقال في رواية أخرى: كان له (٢) جُمَانة في عنقه معلقة يسجد لها.
وقال السدي في قوله تعالى:(وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) وآلهته، فيما زعم ابن عباس، كانت البقر، كانوا إذا رأوا بقرة حسناء أمرهم فرعون أن يعبدوها، فلذلك أخرج لهم عجلا جسدا.
فأجابهم فرعون فيما سألوه بقوله:(سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ) وهذا أمر ثان بهذا الصنيع، وقد كان نكل بهم به قبل ولادة موسى، ﵇، حذرا من وجوده، فكان خلاف ما رامه وضدّ ما قصده فرعون. وهكذا عومل في صنيعه [هذا](٣) أيضا، إنما أراد قهر بني إسرائيل وإذلالهم، فجاء الأمر على خلاف ما أراد: نصرهم الله عليه وأذله، وأرغم أنفه، وأغرقه وجنوده.
ولما صمم فرعون على ما ذكره من المساءة لبني إسرائيل، (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا) ووعدهم بالعاقبة، وأن الدار ستصير لهم في قوله:(إِنَّ الأرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا) أي: قد جرى علينا مثل ما رأيت من الهوان والإذلال من قبل ما جئت يا موسى، ومن بعد ذلك. فقال منبهًا لهم على حالهم الحاضرة (٤) وما يصيرون (٥) إليه في ثاني الحال: (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ [وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ] (٦))، وهذا تحضيض لهم على العزم على الشكر، عند حلول النعم وزوال النقم.
يقول تعالى:(وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ) أي: اختبرناهم وامتحناهم وابتليناهم (بِالسِّنِينَ) وهي سِنِي الجوع بسبب قلة الزروع (٧)(وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ) قال مجاهد: وهو دون ذلك.
وقال أبو إسحاق، عن رجاء بن حَيْوة: كانت النخلة لا تحمل إلا ثمرة واحدة.
(١) في أ: "أقررتم". (٢) في ك، م، أ: "لفرعون". (٣) زيادة من م، أ. (٤) في ك، د، م: "الحاضر". (٥) في د: "يصير". (٦) زيادة من د، ك، م، وفي هـ: "الآية". (٧) في د، ك، م: "الزرع".