قال سفيان بن عُيَيْنَة: حدثنا أبو سعيد، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس: ألقوا حبالا غلاظًا وخشبًا طوالا. قال: فأقبلت يُخَيل إليه من سحرهم أنها تسعى.
وقال محمد بن إسحاق: صَفّ خمسة عشر ألف ساحر، مع كل ساحر حباله وعصيه، وخرج موسى، ﵇، معه أخوه يتكئ على عصاه، حتى أتى الجمع، وفرعون في مجلسه معه أشراف أهل مملكته، ثم قال السحرة: ﴿يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ﴾ [طه: ٦٥، ٦٦] فكان أول ما اختطفوا بسحرهم بصر موسى وبصر فرعون، ثم أبصار الناس بعد، ثم ألقى كل رجل منهم ما في يده من الحبال والعصي (١) فإذا حيات كأمثال الجبال، قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضا.
وقال السُّدِّي: كانوا بضعة وثلاثين ألف رجل، ليس رجل منهم إلا ومعه حبل وعصا، (فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ) يقول: فَرَقوهم أي: من الفرَق.
وقال ابن جرير: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن عُلَيَّةَ، عن هشام الدَّستَوَائي، حدثنا القاسم ابن أبي بَزَّة قال: جمع فرعون سبعين ألف ساحر، فألقوا سبعين ألف حبل، وسبعين ألف عصا، حتى جعل يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى (٢)؛ ولهذا قال تعالى:(وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ)
يخبر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله موسى، ﵇، في ذلك الموقف العظيم، الذي فرق الله تعالى فيه بين الحق والباطل، يأمره بأن يلقي ما في يمينه وهي عصاه، (فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ) أي: تأكل (مَا يَأْفِكُونَ) أي: ما يلقونه ويوهمون أنه حق، وهو باطل.
قال ابن عباس: فجعلت لا تَمُرّ بشيء (٣) من حبالهم ولا من خُشُبهم (٤) إلا التقمته، فعرفت السحرة أن هذا أمر من السماء، وليس هذا بسحر، فخروا سجدا وقالوا:(آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ)
وقال محمد بن إسحاق: جعلت تبتلع (٥) تلك الحبال والعصي واحدة، واحدة حتى ما يُرَى
(١) في ك، م، أ: "العصى والحبال". (٢) تفسير الطبري (١٣/ ٢٨) وهذا من أخبار أهل الكتاب التي لا فائدة من علمها. (٣) في أ: "على شيء". (٤) في أ: "عصيهم". (٥) في أ: "تتبع".