نوره وإخماد كلمته، وظهور كذبه وافترائهم، وتخوفوا من [معرفته](١) أن يستميل (٢) الناس بسحره فيما يعتقدون (٣) فيكون ذلك سببا لظهوره عليهم، وإخراجه إياهم من أرضهم والذي خافوا منه وقعوا فيه، كما قال تعالى: ﴿وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القصص: ٦] فلما تشاوروا في شأنه، وائتمروا فيه، اتفق رأيهم على ما حكاه الله تعالى عنهم في قوله تعالى:
قال ابن عباس:(أَرْجِهِ) أخّره. وقال قتادة: احبسهُ. (وَأَرْسِلْ) أي: ابعث (فِي الْمَدَائِنِ) أي: في الأقاليم ومعاملة ملكك، (حَاشِرِينَ) أي: من يحشر لك السحرة من سائر البلاد ويجمعهم.
وقد كان السحر في زمانهم غالبا كثيرا ظاهرا. واعتقد من اعتقد منهم، وأوهم من أوهم منهم، أن ما جاء موسى، ﵇، من قبيل ما تشعبذه (٤) سحرتهم؛ فلهذا جمعوا له السحرة ليعارضوه بنظير ما أراهم من البينات، كما أخبر تعالى عن فرعون حيث قال: ﴿قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى * قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى * فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى﴾ [طه: ٥٧ - ٦٠] وقال تعالى هاهنا:
يخبر تعالى عما تشارط عليه فرعون والسحرة الذين (٥) استدعاهم لمعارضة موسى،﵇: إن غلبوا موسى ليثيبنهم وليعطينهم عطاء جزيلا. فوعدهم ومناهم أن يعطيهم ما أرادوا، ويجعلنهم (٦) من جلسائه والمقربين عنده، فلما توثقوا من فرعون لعنه الله:
هذه مبارزة من السحرة لموسى، ﵇، في قولهم:(إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) أي: قَبْلك. كما قال (٧) في الآية الأخرى: ﴿وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى﴾ [طه: ٦٥] فقال لهم موسى،﵇:(أَلْقُوا) أي: أنتم أولا قبلي. والحكمة في هذا -والله أعلم -ليري الناس صنيعهم ويتأملوه، فإذا فُرغ من بهرجهم (٨) ومحالهم، جاءهم الحق الواضح الجلي بعد تطلب له والانتظار منهم لمجيئه، فيكون أوقع في النفوس. وكذا كان. ولهذا قال تعالى:(فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ) أي: خيلوا إلى الأبصار أن ما فعلوه له حقيقة في الخارج، ولم يكن إلا مجرد صنعة وخيال، كما قال تعالى: ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ [طه: ٦٦: ٦٩].
(١) زيادة من ك، م، أ. (٢) في د: "يميل". (٣) في ك: "يعتقدوه". (٤) في ك: "يشعبذه". (٥) في د: "لما". (٦) في أ: "وليجعلهم". (٧) في أ: "قالوا". (٨) في أ: "بهرجتهم".