قلت: وتطلق مدين على القبيلة، وعلى المدينة، وهي التي بقرب "مَعَان" من طريق الحجاز، قال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ﴾ [القصص: ٢٣] وهم أصحاب الأيكة، كما سنذكره إن شاء الله، وبه الثقة.
(قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) هذه دعوة الرسل كلهم، (قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أي: قد أقام الله الحجج والبينات على صدق ما جئتكم به. ثم وعظهم في معاملتهم الناس بأن يوفوا المكيال والميزان، ولا يبخسوا الناس أشياءهم، أي: لا يخونوا الناس في أموالهم ويأخذوها على وجه البخس، وهو نقص المكيال والميزان خفْية وتدليسًا، كما قال تعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * [الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ](١) لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطففين: ١ - ٦]. وهذا تهديد شديد، ووعيد أكيد، نسأل الله العافية منه.
ثم قال تعالى إخبارًا عن شعيب، الذي يقال (٢) له: "خطيب الأنبياء"، لفصاحة عبارته، وجزالة موعظته.
ينهاهم شعيب، ﵇، عن قطع الطريق الحسي والمعنوي، بقوله:(وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ) أي: توعدون الناس بالقتل إن لم يعطوكم أموالهم. قال السدي وغيره: كانوا عشارين. وعن ابن عباس [﵁](٣) ومجاهد وغير واحد: (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ) أي: تتوعدون المؤمنين الآتين إِلى شعيب ليتبعوه. والأول أظهر؛ لأنه قال:(بِكُلِّ صِرَاطٍ) وهي الطرق، وهذا الثاني هو قوله:(وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا) أي: وتودون أن تكون سبيل الله عوجا مائلة. (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلا فَكَثَّرَكُمْ) أي: كنتم مستضعفين لقلتكم فصرتم أعزة لكثرة عَدَدكم، فاذكروا نعمة الله عليكم في ذلك، (وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) أي: من الأمم الخالية والقرون الماضية، ما حل بهم من العذاب والنكال باجترائهم على معاصي الله وتكذيب (٤) رسله.