للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حولها من القرى، يدعوهم إلى الله، ﷿، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها، لم يسبقهم بها أحد من بني آدم ولا غيرهم، وهو إتيان الذكور. وهذا شيء لم يكن بنو آدم تعهده ولا تألفه، ولا يخطر ببالهم، حتى صنع ذلك أهل "سَدُوم" عليهم لعائن الله.

قال عمرو بن دينار: قوله: (مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ) قال: ما نزا ذَكَر على ذَكَر، حتى كان قوم لوط.

وقال الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي، باني جامع دمشق: لولا أن الله، ﷿، قص علينا خبر لوط، ما ظننت أن ذكرًا يعلو ذكرًا.

ولهذا قال لهم لوط، : (أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ) أي: عدلتم (١) عن النساء، وما خلق لكم ربكم منهن إلى الرجال، وهذا إسراف منكم وجهل؛ لأنه وضع الشيء في غير محله؛ ولهذا قال لهم في الآية الأخرى: ﴿[قَالَ] (٢) هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ [الحجر: ٧١] فأرشدهم إلى نسائهم، فاعتذروا إليه بأنهم لا يشتهونهن، ﴿قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ﴾ [هود: ٧٩] أي: لقد علمت أنه لا أرَبَ لنا في النساء، ولا إرادة، وإنك لتعلم مرادنا من أضيافك.

وذكر المفسرون أن الرجال كانوا قد استغنى (٣) بعضهم ببعض، وكذلك نساؤهم كن قد استغنى (٤) بعضهن ببعض أيضًا.

﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢)

أي: ما أجابوا لوطًا إلا أن هَموا بإخراجه ونفيه ومن معه [من المؤمنين] (٥) من بين أظهرهم، فأخرجه الله تعالى سالما، وأهلكهم في أرضهم صاغرين مهانين.

وقوله تعالى: (إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) قال قتادة، عابوهم بغير عيب.

وقال مجاهد: (إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) من أدبار الرجال وأدبار النساء. ورُوي مثله عن ابن عباس أيضًا.

﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (٨٣) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٨٤)

يقول تعالى: فأنجينا لوطًا وأهله، ولم يؤمن به أحد منهم سوى أهل بيته فقط، كما قال تعالى:


(١) في د، م: "أعدلتم".
(٢) زيادة من أ.
(٣) في ك، م: "اغتني".
(٤) في ك: "استغنين".
(٥) زيادة من أ.