للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ترد من فَجّ وتصدر من غيره ليسعها؛ لأنها كانت تتضلَّع عن الماء، وكانت -على ما ذكر -خَلْقًا هائلا ومنظرًا رائعًا، إذا مرت بأنعامهم نفرت منها. فلما طال عليهم واشتد تكذيبهم لصالح النبي، ، عزموا على قتلها، ليستأثروا بالماء كل يوم، فيقال: إنهم اتفقوا كلهم على قتلها (١).

﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٧٤) قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٧٥) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (٧٦) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧٧) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٧٨)

قال قتادة: بلغني أن الذي قتل الناقة طاف عليهم كلهم، أنهم راضون بقتلها حتى على النساء في خدورهن، وعلى الصبيان [أيضا] (٢)

قلت: وهذا هو الظاهر؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا﴾ [الشمس: ١٤] وقال: ﴿وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا﴾ [الإسراء: ٥٩] وقال: (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ) فأسند ذلك على مجموع القبيلة، فدل على رضا جميعهم بذلك، والله أعلم.

وذكر الإمام أبو جعفر بن جرير، ، وغيره من علماء التفسير في سبب قتل الناقة: أن امرأة منهم يقال لها: "عنيزة ابنة غنم بن مِجْلِز" وتكنى أم غَنَمْ (٣) كانت عجوزا كافرة، وكانت من أشد الناس عداوة لصالح، ، وكانت لها بنات حسان ومال جزيل، وكان زوجها ذُؤاب بن عمرو أحد رؤساء ثمود، وامرأة أخرى يقال لها: "صدوف بنت المحيا بن دهر (٤) بن المحيا" ذات حسب ومال وجمال، وكانت تحت رجل مسلم من ثمود، ففارقته، فكانتا تجعلان لمن التزم لهما بقتل الناقة، فدعت "صدوف" رجلا يقال له: "الحباب" وعرضت عليه نفسها إن هو عقر الناقة، فأبى عليها. فدعت ابن عم لها يقال له: "مصدع بن مهرج بن المحيا"، فأجابها إلى ذلك -ودعت "عنيزة بنت غنم" قدار بن سالف بن جُنْدَع (٥) وكان رجلا أحمر أزرق قصيرًا، يزعمون أنه كان ولد زَنية، وأنه لم يكن من أبيه الذي ينسب إليه، وهو سالف، وإنما هو (٦) من رجل يقال له: "صهياد" (٧) ولكن ولد على فراش "سالف"، وقالت له: أعطيك أي بناتي شئتَ على أن تعقر (٨) الناقة! فعند ذلك، انطلق "قدار بن سالف"ومصدع بن مهرج"، فاستفزا غُواة من ثمود، فاتبعهما سبعة نفر، فصاروا تسعة رهط، وهم الذين قال الله تعالى: ﴿وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ﴾ [النمل: ٤٨] وكانوا رؤساء في قومهم، فاستمالوا القبيلة الكافرة بكمالها، فطاوعتهم على ذلك، فانطلقوا فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء، وقد كمن لها "قدار" في أصل صخرة على طريقها، وكمن لها "مصدع" في أصل أخرى، فمرت على "مصدع" فرماها بسهم، فانتظم به عضَلَة ساقها وخرجت "أم غَنَمْ عنيزة"، وأمرت ابنتها وكانت من أحسن الناس وجها، فسفرت عن وجهها لقدار وذمّرته فشدّ على الناقة بالسيف، فكسفَ (٩) عرقوبها، فخرت ساقطة إلى الأرض، ورغت رَغاة واحدة تحذر سَقْبَها، ثم طعن في لَبَّتها فنحرها، وانطلق سَقْبَها -وهو فصيلها -حتى أتى جبلا منيعًا، فصعد أعلى صخرة فيه ورغا -فروى عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عمن سمع الحسن البصري أنه قال:


(١) تفسير الطبري (١٢/ ٥٢٩).
(٢) زيادة من أ.
(٣) في ك، م: "أم عثمان".
(٤) في أ: "زهير".
(٥) في أ: "جذع".
(٦) في أ: "كان".
(٧) في م: "صبيان"، وفي ك: "ضبيان".
(٨) في ك، م: "يعقر".
(٩) في ك، م، د: "فكشف"، وفي أ: "فكشف عن".