(ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً)[قيل](١) معناه: تذللا واستكانة، و (خُفْيَة) كما قال: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ [تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ](٢)﴾ [الأعراف: ٢٠٥] وفي الصحيحين، عن أبي موسى الأشعري [﵁](٣) قال: رفع الناس أصواتهم بالدعاء، فقال رسول الله ﷺ:"أيها الناس، ارْبَعُوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا، إن الذي تدعونه سميع قريب"(٤)(٥) الحديث.
وقال ابن جُرَيْج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس في قوله:(تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً) قال: السر.
وقال ابن جرير:(تَضَرُّعًا) تذللا واستكانة لطاعته. (وَخُفْيَة) يقول: بخشوع قلوبكم، وصحة اليقين بوحدانيته وربوبيته فيما بينكم وبينه، لا جهارا ومراءاة.
وقال عبد الله بن المبارك، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن قال: إنْ كانَ الرجل لقد جمع القرآن، وما يشعر به الناس. وإن كان الرجل لقد فقُه (٦) الفقه الكثير، وما يشعر به الناس. وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزُّوَّر وما يشعرون به. ولقد أدركنا أقوامًا ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملوه في السر، فيكون علانية أبدا. ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء، وما يُسمع لهم صوت، إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله تعالى يقول:(ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً [إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ])(٧) وذلك أن الله ذكر عبدًا صالحا رَضِي فعله فقال: ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا﴾ [مريم: ٣]
وقال ابن جُرَيْج: يكره رفع الصوت والنداء والصياحُ في الدعاء، ويؤمر بالتضرع والاستكانة، ثم روي عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس في قوله:(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) في الدعاء ولا في غيره.
وقال أبو مِجْلِز:(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) لا يسأل (٨) منازل الأنبياء.
وقال الإمام أحمد بن حنبل،﵀: حدثنا عبد الرحمن بن مَهْدِي، حدثنا شعبة، عن زياد بن مِخْراق، سمعت أبا نعامة (٩) عن مولى لسعد؛ أن سعدًا سمع ابنا له يدعو وهو يقول: اللهم، إني أسألك الجنة ونعيمها وإستبرقها ونحوا من هذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها. فقال: لقد سألت الله خيرًا كثيرًا، وتعوذت بالله من شر كثير، وإني سمعت رسول الله ﷺ يقول:"إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء". وقرأ هذه الآية:(ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً [إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ])(١٠)
(١) زيادة من ك، م، د، أ. (٢) زيادة من ك، م، أ. وفي هـ: "الآية". (٣) زيادة من أ. (٤) في م، ك،: "سميعا قريبا"، وفي د: "قريبا سميعا". (٥) صحيح البخاري برقم (٤٢٠٥)، وصحيح مسلم برقم (٢٧٠٤) (٦) في أ: "لفقه". (٧) زيادة من ك. (٨) في د: "تسأل". (٩) في م، ك، أ: "أبا عباية". (١٠) زيادة من ك، م، أ. وفي هـ: "الآية".