خلاصنا مما نحن فيه، (أَوْ نُرَدُّ) إلى الدار الدنيا (فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الأنعام: ٢٧، ٢٨] كما قال هاهنا: (قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) أي: [قد](١) خسروا أنفسهم بدخولهم النار وخلودهم فيها، (وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) أي: ذهب عنهم ما كانوا يعبدونهم من دون الله فلا ينصرونهم، ولا يشفعون لهم (٢) ولا ينقذونهم مما هم فيه.
يخبر تعالى بأنه خلق هذا العالم: سماواته وأرضه، وما بين ذلك في ستة أيام، كما أخبر بذلك في غير ما آية من القرآن، والستة أيام هي: الأحد، والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، والجمعة -وفيه اجتمع الخلق كله، وفيه خلق آدم، ﵇. واختلفوا في هذه الأيام: هل كل يوم منها كهذه الأيام كما هو المتبادر إلى الأذهان (٣)؟ أو كل يوم كألف سنة، كما نص على ذلك مجاهد، والإمام أحمد بن حنبل، ويروى ذلك من رواية الضحاك عن ابن عباس؟ فأما يوم السبت فلم يقع فيه خلق؛ لأنه اليوم السابع، ومنه سمي السبت، وهو القطع.
فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده حيث قال: حدثنا حجاج، حدثنا ابن جُرَيْج، أخبرني إسماعيل بن أُمَيَّة، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع -مولى أم سلمة -عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله ﷺ بيدي فقال: "خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر الخلق، في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل".
فقد رواه مسلم بن الحجاج في صحيحه والنسائي من غير وجه، عن حجاج -وهو ابن محمد الأعور -عن ابن جريج به (٤) وفيه استيعاب الأيام السبعة، والله تعالى قد قال في ستة أيام؛ ولهذا تكلم البخاري وغير واحد من الحفاظ في هذا الحديث، وجعلوه من رواية أبي هريرة، عن كعب الأحبار، ليس مرفوعا، والله أعلم.
وأما قوله تعالى:(ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدا، ليس هذا موضع بسطها، وإنما يُسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح: مالك، والأوزاعي، والثوري،
(١) زيادة من م. (٢) في ك، م: "فيهم". (٣) في م: "الفهم". (٤) المسند (١/ ٣٢٧) وصحيح مسلم برقم (٢٧٨٩) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٠١٠).