للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: نتركهم، كما تركوا لقاء يومهم هذا. وقال مجاهد: نتركهم في النار. وقال السُّدِّي: نتركهم من الرحمة، كما تركوا أن يعملوا للقاء يومهم هذا.

وفي الصحيح أن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: "ألم أزوجك؟ ألم أكرمك؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل، وأذَرْك ترأس وتَرْبَع؟ فيقول: بلى. فيقول: أظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا. فيقول الله: فاليوم أنساك كما نسيتني" (١)

﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٥٣)

يقول تعالى مخبرًا عن إعذاره إلى المشركين بإرسال الرسول إليهم بالكتاب الذي جاء به الرسول، وأنه كتاب مفصل مبين، كما قال تعالى: ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ [مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ](٢) الآية [هود: ١].

وقوله: (فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ) (٣) أي: على علم منا بما فصلناه به، كما قال تعالى: ﴿أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ﴾ [النساء: ١٦٦]

قال ابن جرير: وهذه الآية مردودة على قوله: ﴿كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ [لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ] (٤)[الأعراف: ٢] (وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ [فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ]) (٥) الآية.

وهذا الذي قاله فيه نظر، فإنه قد طال الفصل، ولا دليل على ذلك، وإنما لما أخبر عما صاروا إليه من الخسار في الدار الآخرة، ذكر أنه قد أزاح عللهم في الدار الدنيا، بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، كقوله: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا﴾ [الإسراء: ١٥]؛ ولهذا قال: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا تَأْوِيلَهُ) أي: ما وُعِدَ من العذاب والنكال والجنة والنار. قاله مجاهد وغير واحد.

وقال مالك: ثوابه. وقال الربيع: لا يزال يجيء تأويله أمر، حتى يتم يوم الحساب، حتى يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، فيتم تأويله يومئذ.

(يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) أي: يوم القيامة، قاله ابن عباس - (يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ) أي: تركوا العمل به، وتناسوه في الدار الدنيا: (قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا) أي: في


(١) ورواه ابن أبي شيبة كما في الدر المنثور للسيوطي (٣/ ٤٦٩).
(٢) زيادة من ك، م.
(٣) في ك: "علم للعالمين" وهو خطأ.
(٤) زيادة من ك، م، وفي هـ "الآية".
(٥) زيادة من ك، م.