للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عنه حنبل. وهو رواية عن الإمام مالك، ونص على ذلك أشهب بن عبد العزيز من أصحابه، وحكي عن ابن عباس، وأبي هريرة، وعطاء بن أبي رباح، والله أعلم.

وحمل الشافعي الآية الكريمة: (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) على ما ذبح لغير الله، كقوله تعالى ﴿أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [الأنعام: ١٤٥].

وقال ابن جُرَيْج، عن عطاء: (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) قال: ينهى عن ذبائح كانت تذبحها قريش عن الأوثان، وينهى عن ذبائح المجوس، وهذا المسلك الذي طرقه الإمام الشافعي [] (١) قوي، وقد حاول بعض المتأخرين أن يقويه بأن جعل "الواو" في قوله: (وإِنَّهُ لَفِسْقٌ) حالية، أي: لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه في حال كونه فسقًا، ولا يكون فسقا حتى يكون قد أهل به لغير الله. ثم ادعى أن هذا متعين، ولا يجوز أن تكون "الواو" عاطفة. لأنه يلزم منه عطف جملة إسمية خبرية على جمله فعلية طلبية. وهذا ينتقض عليه بقوله: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ) فإنها عاطفة لا محاولة، فإن كانت "الواو" التي (٢) ادعى أنها حالية صحيحة على ما قال؛ امتنع عطف هذه عليها، فإن عطفت (٣) على الطلبية ورد عليه ما أورد على غيره، وإن لم تكن "الواو" حالية، بطل ما قال من أصله، والله أعلم.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا يحيى بن المغيرة، أنبأنا جرير، عن عطاء، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس قوله: (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) قال: هي الميتة.

ثم رواه، عن أبي زُرْعَة، عن يحيى بن أبي كثير (٤) عن ابن لَهِيعَة، عن عطاء -وهو ابن السائب -به.

وقد استدل لهذا المذهب بما رواه أبو داود في المراسيل، من حديث ثور بن يزيد، عن الصلت السدوسي -مولى سُوَيْد بن مَنْجوف (٥) أحد التابعين الذين ذكرهم أبو حاتم بن حبان في كتاب الثقات -قال: قال رسول الله "ذَبِيحَة المسلم حلال ذُكِر اسمُ اللهِ أو لم يُذْكَرْ، إنه إن ذكر لم يذكر إلا اسم الله" (٦)

وهذا مرسل يعضد بما رواه الدارقطني عن ابن عباس أنه قال: إذا ذبح المسلم -ولم يذكر اسم الله فليأكل، فإن المسلم فيه اسم من أسماء الله" (٧)

واحتج البيهقي أيضًا بحديث عائشة، ، المتقدم أن ناسا قالوا: يا رسول الله، إن قوما حديثي عهد بجاهلية يأتونا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال: "سَمّوا أنتم وكُلُوا". قال: فلو كان وجود التسمية شرطا لم يرخص لهم إلا مع تحققها، والله أعلم.

المذهب الثالث في المسألة: [أنه] (٨) إن ترك البسملة على الذبيحة نسيانا لم يضر وإن تركها عمدًا لم تحل.


(١) زيادة من م، أ.
(٢) في م: "الذي".
(٣) في م: "عطف".
(٤) في م: "يحيى بن بكر".
(٥) في م، أ: "ميمون".
(٦) المراسيل برقم (٣٧٨) ورواه البيهقي في السنن الكبرى (٩/ ٢٤٠) من طريق أبي داود به. وقال ابن القطان كما في نصب الراية (٤/ ١٨٣): "فيه مع الإرسال أن الصلت السدوسي لا يعرف له حال ولا يعرف بغير هذا، ولا روى عنه غير ثور بن يزيد".
(٧) سنن الدارقطني (٤/ ٢٩٥) وقد روى مرفوعا، ورجح البيهقي وقفه وصححه ابن السكن.
(٨) زيادة من أ.