للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عن عبد الرحمن بن جُبَيْر بن نُفَير، عن أبيه، عن النواس بن سمعان قال: سألت رسول الله عن الإثم فقال: "الإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع الناس عليه" (١)

﴿وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (١٢١)

استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب إلى أنه لا تحل الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها، ولو كان الذابح مسلما، وقد اختلف الأئمة، ، في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:

فمنهم من قال: لا تحل هذه الذبيحة بهذه الصفة، وسواء متروك التسمية عمدًا أو سهوًا. وهو مروي عن ابن عمر، ونافع مولاه، وعامر الشعبي، ومحمد بن سيرين. وهو رواية عن الإمام مالك، ورواية عن أحمد بن حنبل نصرها طائفة من أصحابه المتقدمين والمتأخرين، وهو اختيار أبي ثور، وداود الظاهري، واختار ذلك أبو الفتوح محمد بن محمد بن علي الطائي (٢) من متأخري الشافعية في كتابه "الأربعين"، واحتجوا لمذهبهم هذا بهذه الآية، وبقوله في آية الصيد: ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤]. ثم قد أكد في هذه الآية بقوله: (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) والضمير قيل: عائد على الأكل، وقيل: عائد على الذبح لغير الله -وبالأحاديث الواردة في الأمر بالتسمية عند الذبيحة والصيد، كحديثي عدي بن حاتم وأبي ثعلبة: "إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل ما أمسك عليك". وهما في الصحيحين، وحديث رافع بن خُدَيْج. "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه". وهو في الصحيحين أيضًا، وحديث ابن مسعود أن رسول الله قال للجن: "لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه" (٣) رواه مسلم. وحديث جُنْدَب بن سفيان البَجَلي قال: قال رسول الله "من ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى، ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله". أخرجاه (٤) وعن عائشة، ، أن ناسا قالوا: يا رسول الله، إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري: أذكر اسم الله عليه أم لا؟ قال: "سموا عليه أنتم وكلوا". قالت: وكانوا حديثي عهد بالكفر. رواه البخاري. ووجه الدلالة أنهم فهموا أن التسمية لا بد منها، [وأنهم] (٥) خشوا ألا تكون وجدت من أولئك، لحداثة إسلامهم، فأمرهم بالاحتياط بالتسمية عند الأكل، لتكون كالعوض عن المتروكة عند الذبح إن لم تكن وجدت، وأمرهم بإجراء أحكام المسلمين على السداد، والله [تعالى] (٦) أعلم.

والمذهب الثاني في المسألة: أنه لا يشترط التسمية، بل هي مستحبة، فإن تركت عمدًا أو نسيانًا لم تضر (٧) وهذا مذهب الإمام الشافعي، ، وجميع أصحابه، ورواية عن الإمام أحمد. نقلها


(١) ورواه مسلم في صحيحه برقم (٢٥٥٣) من طريق عبد الرحمن بن مهدي به.
(٢) في أ: "الظاهري".
(٣) صحيح مسلم برقم (٤٥٠).
(٤) صحيح البخاري برقم (٩٨٥) وصحيح مسلم برقم (١٩٦٠).
(٥) زيادة من م.
(٦) زيادة من م.
(٧) في م: "لم تضره".