للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٩) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠)

يقول تعالى إخبارًا عن المشركين: إنهم أقسموا بالله جهد أيمانهم، أي: حلفوا أيمانًا مؤكدة (لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ) أي: معجزة وخارق، (لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا) أي: ليصدقنها، (قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ) أي: قل يا محمد لهؤلاء الذين يسألونك الآيات تعنتًا وكفرًا وعنادًا، لا على سبيل الهدى والاسترشاد: إنما مرجع (١) هذه الآيات إلى الله، إن شاء أجابكم، وإن شاء ترككم، كما قال، قال ابن جرير:

حدثنا هَنَّاد (٢) حدثنا يونس بن بُكَيْر، حدثنا أبو مَعْشَر، عن محمد بن كعب القُرَظِي قال: كلم رسول الله قريشًا، فقالوا: يا محمد، تخبرنا أن موسى كان معه عصا يضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، وتخبرنا أن عيسى كان يحيي الموتى، وتخبرنا أن ثمود كانت لهم ناقة، فأتنا من الآيات حتى نصدقك. فقال رسول الله : "أي شيء تحبون أن آتيكم به؟ ". قالوا: تجعل لنا الصفا ذهبا. فقال لهم: "فإن فعلت تصدقوني؟ ". قالوا: نعم، والله لئن فعلت لنتبعك أجمعين. فقام رسول الله يدعو، فجاءه جبريل، ، فقال له: لك ما شئت، إن شئت أصبح الصفا ذهبا، ولئن أرسل آية فلم يصدقوا عند ذلك ليعذبنهم، وإن شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم. فقال رسول الله [] (٣) بل يتوب تائبهم". فأنزل الله: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ (٤) إلى قوله [تعالى] (٥) يَجْهَلُونَ

وهذا مرسل (٦) وله شواهد من وجوه أخر. وقال الله تعالى: وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ [وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا] (٧) [الإسراء: ٥٩].

وقوله تعالى: وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ قيل: المخاطب ب وَمَا يُشْعِرُكُمْ المشركون، وإليه ذهب مجاهد كأنه يقول لهم: وما يدريكم بصدقكم في هذه الأيمان التي تقسمون بها. وعلى هذا فالقراءة: "إنها إذا جاءت لا يؤمنون" بكسر "إنها" على استئناف الخبر عنهم بنفي الإيمان عند مجيء الآيات التي طلبوها، وقراءة (٨) بعضهم: "أنها إذا جاءت لا تؤمنون" بالتاء المثناة من فوق.

وقيل: المخاطب بقوله: (وَمَا يُشْعِرُكُمْ) المؤمنون، أي: وما يدريكم أيها المؤمنون، وعلى هذا فيجوز في (٩) (أَنَّهَا) الكسر كالأول والفتح على أنه معمول يشعركم. وعلى هذا فتكون "لا" في قوله: (أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) صلة كما في قوله: مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ [الأعراف: ١٢]، وقوله وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ [الأنبياء: ٩٥]. أي: ما منعك أن تسجد إذ


(١) في م، أ: "ترجع".
(٢) في م: "هناد بن السرى".
(٣) زيادة من م، أ.
(٤) في أ: "وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها".
(٥) زيادة من م.
(٦) تفسير الطبري (١٢/ ٣٨).
(٧) زيادة من أ، وفي هـ: "الآية".
(٨) في م: "وقرأ".
(٩) في م، أ: "في قوله".