للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عدوا بغير علم، فأنزل الله: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ)

وروى ابن جرير وابن أبي حاتم، عن السُّدِّي أنه قال في تفسير هذه الآية: لما حضر أبا طالب الموت قالت قريش: انطلقوا فلندخل على هذا الرجل، فلنأمره أن ينهى عنا ابن أخيه، فإنا نستحيي أن نقتله بعد موته، فتقول العرب: كان يمنعهم فلما مات قتلوه. فانطلق أبو سفيان، وأبو جهل، والنضر بن الحارث، وأمية، وأبي ابنا خلف، وعقبة بن أبي مُعِيط، وعمرو بن العاص، والأسود بن البَخْتَري (١) وبعثوا رجلا منهم يقال له: "المطلب"، قالوا: استأذن لنا على أبي طالب، فأتى أبا طالب فقال: هؤلاء مشيخة قومك يريدون الدخول عليك، فأذن لهم عليه، فدخلوا عليه فقالوا: يا أبا طالب، أنت كبيرنا وسيدنا، وإن محمدًا قد آذانا وآذى آلهتنا، فنحب أن تدعوه فتنهاه عن ذكر آلهتنا، ولندَعْه وإلهه. فدعاه، فجاء النبي ، فقال له أبو طالب: هؤلاء قومك وبنو عمك. قال رسول الله : "ما تريدون؟ ". قالوا: نريد أن تدعنا وآلهتنا، ولندَعْك وإلهك. قال له أبو طالب: قد أنصفك قومك، فاقبل منهم، فقال النبي "أرأيتم إن أعطيتكم هذا، هل أنتم معطي كلمة إن تكلمتم بها ملكتم بها العرب، ودانت لكم بها العجم، وأدت لكم الخراج؟ " قال أبو جهل: وأبيك لنعطينكها وعشرة أمثالها [قال] (٢) فما هي؟ قال: "قولوا لا إله إلا الله". فأبوا واشمأزوا. قال أبو طالب: يا ابن أخي، قل غيرها، فإن قومك قد فزعوا منها. قال: " يا عم، ما أنا بالذي أقول غيرها، حتى يأتوا بالشمس فيضعوها في يدي، ولو أتوا بالشمس فوضعوها في يدي ما قلت غيرها". إرَادَةَ أن يُؤيسَهم، فغضبوا وقالوا: لتكفن عن شتم آلهتنا، أو لنشتمنك ونشتم من يأمرك فذلك قوله: (فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) (٣)

ومن هذا القبيل -وهو ترك المصلحة لمفسدة أرجح منها -ما جاء في الصحيح أن رسول الله قال: "ملعون من سب والديه". قالوا يا رسول الله، وكيف يسب الرجل والديه؟ قال: "يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه". أو كما قال، (٤) (٥)

وقوله تعالى: (كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) أي: وكما زينا لهؤلاء القوم حبّ أصنامهم والمحاماة لها والانتصار، كذلك زينا لكل أمة من الأمم الخالية على الضلال عملهم الذي كانوا فيه، ولله الحجة البالغة، والحكمة التامة فيما يشاؤه ويختاره. (ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ) أي: معادهم ومصيرهم، (فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) أي: يجازيهم بأعمالهم، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.


(١) في م: "عبد يغوث".
(٢) زيادة من أ.
(٣) تفسير الطبري (١٢/ ٣٤).
(٤) في أ: "".
(٥) رواه مسلم في صحيحه برقم (٩٠) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، .