للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لا يراه شيء وهو يرى الخلائق.

وقال أبو العالية في قوله [تعالى] (١) (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) اللطيف باستخراجها، الخبير بمكانها. والله أعلم.

وهذا كما قال تعالى إخبارا عن لقمان فيما وعظ به ابنه: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ [لقمان: ١٦].

﴿قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (١٠٤) وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١٠٥)

البصائر: هي البينات والحجج التي اشتمل عليها القرآن، وما جاء به الرسول (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ) مثل قوله: ﴿مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾ [الإسراء: ١٥]؛ ولهذا قال: (وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا) لما ذكر البصائر قال:

(وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا) أي: فإنما يعود وبال ذلك عليه، كقوله: ﴿فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: ٤٦].

(وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) أي: بحافظ ولا رقيب، بل أنا مبلغ والله يهدي من يشاء ويضل من يشاء.

وقوله: (وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ) أي: وكما فصلنا الآيات في هذه السورة، من بيان التوحيد وأنه لا إله إلا هو، هكذا نوضح الآيات ونفسرها ونبينها في كل موطن لجهالة الجاهلين، وليقول المشركون والكافرون المكذبون: دارست يا محمد من قبلك من أهل الكتاب وقارأتهم وتعلمت منهم.

هكذا قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جُبَيْر، والضحاك، وغيرهم.

وقد قال الطبراني: حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثنا أبي، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عمرو بن كيسان، سمعت ابن عباس يقرأ: (دَارَسْتَ) تلوتَ، خاصمتَ، جادلتَ (٢)

وهذا كما قال تعالى إخبارا عن كذبهم وعنادهم: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا * وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا [فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا] (٣)[الفرقان: ٤، ٥]، وقال تعالى إخبارًا عن زعيمهم وكاذبهم: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾ [المدثر: ١٨ - ٢٥].

وقوله: (وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أي: ولنوضحه لقوم يعلمون الحق فيتبعونه، والباطل فيجتنبونه. فلله تعالى الحكمة البالغة في إضلال أولئك، وبيان الحق لهؤلاء. كما قال تعالى: ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا [وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ] (٤)[البقرة: ٢٦]، وقال تعالى: ﴿لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (٥)[الحج: ٥٣]


(١) زيادة من م، أ.
(٢) المعجم الكبير للطبراني (١١/ ١٣٧). وقال الهيثمي في المجمع (٧/ ٢٢): "رجاله ثقات".
(٣) زيادة من م، أ، وفي هـ: "الآية".
(٤) زيادة من م، أ، وفي هـ: "الآية".
(٥) في هـ: "وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم".