للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ما أحاطوا بالله أبدا".

غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه، ولم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة (١) والله أعلم.

وقال آخرون في [قوله تعالى] (٢) (لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ) بما رواه الترمذي في جامعه، وابن أبي عاصم في كتاب "السنة" له، وابن أبي حاتم في تفسيره، وابن مَرْدُوَيه أيضا، والحاكم في مستدركه، من حديث الحكم بن أبان قال: سمعت عِكْرِمة يقول: سمعت ابن عباس يقول: رأى محمد ربه . فقلت: أليس الله يقول: (لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ) الآية؟ فقال: لي "لا أم لك. ذلك نوره، الذي هو نوره، إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء". وفي رواية: "لا يقوم له شيء".

قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه (٣)

وفي معنى هذا الأثر ما ثبت في الصحيحين، عن أبي موسى الأشعري، ، قال: قال رسول الله : "إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام يخفض (٤) القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور -أو: النار -لو كشفه لأحرقت سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه" (٥)

وفي الكتب المتقدمة: إن الله تعالى قال لموسى لما سأل الرؤية: يا موسى، إنه لا يراني حي إلا مات، ولا يابس إلا تدهده. أي: تدعثر. وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] ونفي هذا الأثر الإدراك الخاص لا ينفي الرؤية يوم القيامة (٦) يتجلى لعباده المؤمنين كما يشاء. فأما جلاله وعظمته على ما هو عليه -تعالى وتقدس وتنزه -فلا تدركه الأبصار؛ ولهذا كانت أم المؤمنين عائشة، ، تثبت الرؤية في الدار الآخرة وتنفيها في الدنيا، وتحتج بهذه الآية: (لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ) فالذي نفته الإدراك الذي هو بمعنى رؤية العظمة والجلال على ما هو عليه، فإن ذلك غير ممكن للبشر، ولا للملائكة ولا لشيء.

وقوله: (وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ) أي: يحيط بها ويعلمها على ما هي عليه؛ لأنه خلقها كما قال تعالى: ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: ١٤].

وقد يكون عبر بالأبصار عن المبصرين، كما قال السُّدِّي في قوله: (لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ)


(١) ورواه ابن عدي في الكامل (٢/ ١٠) من طريق سفيان بن بشر، عن بشر بن عمارة به، وإسناده واه.
(٢) زيادة من م، وفي أ: "في قوله".
(٣) سنن الترمذي برقم (٣٢٧٩) والسنة لابن أبي عاصم برقم (٤٣٧) والمستدرك (٢/ ٣٠٦) وقال الترمذي: "حسن غريب". وقال ابن أبي عاصم: "فيه كلام".
(٤) في أ: "يحفظ".
(٥) رواه مسلم في صحيحه برقم (١٧٩) ولم أجده بعد البحث في صحيح البخاري حتى الحافظ المزى لم يذكره في تحفة الأشراف من رواية البخاري.
(٦) انظر: شرح العقيدة الطحاوية (١/ ٢١٤) لابن أبي العز الحنفي للتوسع في بحث الرؤية.