يقول تعالى: وما عظموا الله حق تعظيمه، إذ كذبوا رسله إليهم، قال ابن عباس، ومجاهد، وعبد الله بن كثير: نزلت في قريش. واختاره ابن جرير، وقيل: نزلت في طائفة من اليهود؛ وقيل: في فنحاص رجل منهم، وقيل: في مالك بن الصيف.
(قَالُوا مَا أَنزلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) والأول هو الأظهر؛ لأن الآية مكية، واليهود لا ينكرون إنزال الكتب من السماء، وقريش -والعرب قاطبة -كانوا يبعدون إرسال رسول من البشر، كما قال [تعالى](١) ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ [وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ](٢)﴾ [يونس: ٢]، وقال تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولا * قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولا﴾ [الإسراء: ٩٤، ٩٥]، وقال هاهنا:(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) قال الله تعالى: (قُلْ مَنْ أََنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ)؟ أي: قل يا محمد لهؤلاء المنكرين لإنزال شيء من الكتب من عند الله، في جواب سلبهم العام بإثبات قضية جزئية موجبة:(مَنْ أََنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى) يعني: التوراة التي قد علمتم -وكل أحد -أن الله قد أنزلها على موسى بن عمران نورًا وهدى للناس، أي: ليستضاء بها في كشف المشكلات، ويهتدى بها من ظلم الشبهات.
وقوله:(يَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا)(٣) أي: يجعلها حَمَلَتُهَا (٤) قراطيس، أي: قِطَعًا يكتبونها من الكتاب الأصلي الذي بأيديهم ويحرفون فيها ما يحرفون ويبدلون ويتأولون، ويقولون: ﴿هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٧٩]، أي: في كتابه المنزل، وما هو من عند الله؛ ولهذا قال:(تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا)
وقوله:(وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ) أي: ومن أنزل القرآن الذي علمكم الله فيه من
(١) زيادة من أ. (٢) زيادة من أ. (٣) قال ابن الجوزي في زاد المسير (٣/ ٨٤): "قرأ ابن كثير وأبو عمرو: "يجعلونه في قراطيس يبدونها" و"يخفون" بالياء فيهن، وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي بالتاء فيهن". والظاهر أن الحافظ ابن كثير اعتمد على القراءة الأولى. (٤) في أ: "تجعلها جملتها".