أما التأمين بقسط ثابت، فقد أفتى ابن عابدين بحق التأمين البحري لضمان ما قد يهلك من البضائع المستوردة بطريق النقل البحري بالمراكب، فلا يحل للتاجر أخذ بدل الهالك من مال المؤمن للأسباب التالية:(١) أن هذا العقد هو التزام ما لا يلزم حيث انعدم السبب الشرعي للضمان إذ السبب الشرعي واحد من أربعة (١)(١) العدوان من قتل وهدم وإحراق ونحوها (٢) تسبب الإتلاف كحفر بئر بدون ترخيص في الطريق العام (٣) وضع اليد غير المؤمنة كالغصب والسرقة وبقاء البيع في يد البائع (٤) والكفالة وليس المؤمن متعديا ولا متسببا في الإتلاف ولا واضع يد على المؤمن عليه وليس في التأمين مكفول معين وليس التأمين من باب تضمين الودائع، إذا كان يأخذ أجرًا على الوديعة لأن المال ليس في يد المؤمن بل في يد صاحبة وليس هو أيضا من قبيل تضمين التغرير لأن الغار لا بد أن يكون عالمًا بالخطر وأن يكون المغرور جاهلا به غير عالم، كما لا يصح اعتبار التأمين من شركة المضاربة لسببين أولها: أن الأقساط التي يدفعها المؤمن له تدخل في ملك شركة التأمين وهي مطلقة اليد تتصرف كيف شاءت وهي لا يرجع للمؤمن منها شيء أن لم يتعرض لحادث، ثانيهما: أن شرط حجة المضاربة أن يكون الربح بين صاحب المال والقائم بالعمل وأن يكون شائعًا بنسبة كربع أو ثلث ونحو ذلك.
كما أنه لا يصح اعتبار التأمين من قبيل الضمان أو الكفالة لأنه ليس واحدا من أسباب الضمان أربعة المتقدمة الذكر وعلى تقدير وجود المكفول كما في التأمين من حوادث الطرقات في السيارات فإن المكفول مجهول ولا تصح الكفالة في مجهول والخلاصة أن عقد التأمين المقسط هو من عقود الغرر أي من العقود الاحتمالية المترددة بين وجود العقود عليه وعدمه وفي الحديث ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر)) ، والغرر عنصر لازم لعقد التأمين وهو غرر كثير وليس باليسير إذ من أركانه الخطر وهو حادث محتمل غير متوقف على إرادة العاقدين.
ولا يباح الغرر الكثير إلا عند الجهد والمشقة الفائقة والاضطرار، وهي الحالة التي يصل المرء فيها إلى حالة بحيث لو لم يتناول الممنوع لقرب من الهلاك ولكنه لا يهلك كما ذكر ذلك السيوطي (٢) وقد تكون الحاجة عامة، وقد تكون خاصة، فالعامة ما تشتمل جميع الناس والحاجة الخاصة ما تكون خاصة بطائفة من الناس كأهل بلد أو حرفة أو مهنة، ومعنى كون الحاجة متعينة أن تسد جميع الطرق المشروعة للوصول للغرض سوى ذلك العقد الذي فيه الضرر ولو سلمنا بوجود حاجة عامة للتأمين في هذا الزمان فإن الحاجة إليه غير متعينة إذ يمكن تحقيق الهدف منه بطريق التأمين التعاوني القائم على التبرع وإلغاء الوسيط المستغل لحاجة الناس الذي يسعى إلى الربح وهي شركات التأمين فهذا يمنع في الإسلام لوجود طريق يبلغ إليه فإن لم توجد شركات الضمان التعاونية، فقد أفتى بعضهم بجواز التأمين الاضطراري الذي هو ثلث التأمين وهو ما كان لدفع ضرر الغير والذي أوجبته كثير من الحكومات الإسلامية حيث يرخص للسيارة تسير في الطريق من غير تأمين الثلث وبعض العلماء مانع في ذلك لأنه عقد معاوضة على مجهول وكله غرر، والغرر ممنوع.
(١) رد المختار على الدار المختار: ٣ / ٢٧٣ (٢) الاشباه والنظائر، للسيوطي: ص ٧٧، القاعدة الرابعة