الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعاملين وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين.
وبعد:
فقد أولى الإسلام عناية كبرى بالصناعة والاستصناع في وقت كانت العرب – وغيرهم من الأمم – تنظر إلى الصناعات والحرف نظرة فيها التقليل من شأنها، فنزلت الآيات الدالات على أهمية الصناعة في حياة الأمة حتى قرن الله تعالى الحديد مع القرآن الكريم في الإنزال، {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}(١) .
بين القرآن الكريم في مقام الامتنان بالنعم العظمى أن الله علَّم أحد أنبيائه العظام – وهو داود – صنعة اللباس الحديدي، والدرع حيث يقول:{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ}(٢) .
كما يجعل الرسول الصناعة اليدوية، بل كل ما تصنعه اليد من أفضل الأعمال حيث يقول: " ما أكل أحدٌ طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود – عليه السلام – كان يأكل من عمل يده (٣) .
وجاء فقهاؤنا العظام منذ بداية القرن الثاني الهجري – مثل أبي حنيفة وصاحبيه وكذلك غيرهم – بتنظيم عقد الاستصناع وأهميته، وبيان شروطه وضوابطه، وفروعه ومسائله.
(١) [سورة الحديد: الآية ٢٥] . (٢) [سورة الأنبياء: الآية ٨٠] . (٣) رواه البخاري في صحيحه، مع الفتح، كتاب البيوع، طبعة السلفية: ٤/٣٠٣.