للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفرق بين عمل أهل المدينة وما جرى به العمل في الأقطار، فإن ما جرى به عمل أهل المدينة هو مستند لا محالة إلى النص أو فعل أو تقرير فهو اتباع الآثار السلف الصالح من الصحابة والتابعين، ولذلك كان غير العرف وغير ما جرى به العمل بالأقطار المختلفة وإذا لم يقبل عمل أهل المدينة عند جميع المذاهب وهو مستند إلى الدليل في الجملة، فماذا يكون موقف من تشبث بالعمل المطلق أو الخاص فيما جرى في بقية الأقطار، ولهذا ذهب كثير من العلماء المتأخرين إلى عدم الاعتداد بما جرى به العمل في بلد من البلدان سواء قيل إن أصله راجع إلى الاقتداء فيه بقاض معين قد كانت له قدرة الترجيح والاستنباط أو هو راجع إلى عرف خاص إذ هو في الحالة الأولى يكون الترجيح قائمًا على شخص لا على دليل والحجة لا تقوم على الأشخاص وإنما تقوم على الدليل، وأما الحالة الثانية وهو ما كان منشؤه العرف الخاص في بلد من البلدان، فإنه لا يصح أن يَعُمَّ العرف الخاص ببلد من البلدان كل البلدان اللهمَّ إلا إذا كان عرفًا عامًّا استوجبته المصلحة. على أن العرف العام هو نفسه قد لا يلزم إذ هو يتغير بتغير المصلحة ويتجدد بتجددها فلا يمكن أن يستمر العمل المرتبط به بعد انتهاء مصلحته على أن العرف العام من شأنه أن يكون معروفًا لدى الجميع يستوي فيه العوام والعلماء على السواء وليس العمل كذلك إذ العمل من خصائص العلماء العارفين بأسرار الشريعة الكاشفين لأحكامها على أن العمل في الأقطار كثيرًا ما يختلف فمثلا جرى العمل في فاس بعدم الاكتفاء بعجلين في الترشيد والتسفيه نص على جريان العمل به غير واحد كابن فتوح والمتيطي وابن سلمون وغيرهم في حين أنه جرى العمل في تونس بالاكتفاء بقبول عدين في حالة التسفيه والترشيد لكن الزيادة أفضل وهو قول أصبغ (١)

وفي الشفعة في ما لا يقبل القسمة قولان لمالك، وبعدم الشفعة قال ابن القاسم ومطرف وبالشفعة قال أشهب وابن الماجشون، والقول بعدم الشفعة هو المشهور وبه القضاء وأفتى فقهاء قرطبة به، وقد رفع شفيع أمره إلى أمير المؤمنين عبد الرحمن، وقال حكم علي بغير قول مالك فوضع بخط يده إلى القاضي أن يحمله على قول مالك ويقضي له به فجمع القاضي منذر بن سعيد الفقهاء وشاروهم، فقالوا: مالك يرى في الحمام الشفعة فقضى منذر بذلك وحكم له بها، وهكذا جرى العمل في الحمام والعيون والآبار والشجرة الواحدة وشبه ذلك جري العمل بقرطبة بالشفعة في ذلك والعمل عندنا في تونس على مذهب ابن القاسم لا شفعة فيما لم ينقسم، وكذلك الشفعة في الكراء كدار بين رجلين أكرى أحدهما نصيبه منها هل لشريكه أن يشفع ذلك من يد المكتري لأن الكراء بيع منفعة أو ليس له ذلك فيه قولان جرى القضاء بكل منهما فبالمغرب جرى القضاء بالشفعة وفي تونس جرى العمل بعدمها وكذلك جرى العمل بفاس بجواز الإفتاء للحكام، وهو قول ابن عبد الحكم فيجوز للقاضي الإفتاء في مسائل الخصام إذ هي المختلف فيها ومقابل الجواز فيها المنع والكراهة، وقد جرى العمل بمنع القاضي من الإفتاء في مسائل الخصام في تونس أما مسائل العبادات فبجواز الإفتاء فيها متفق عليه.


(١) فتح الجليل في شرح التكميل والمعتد، لأبي عبد الله محمد السجلسماسي: ١٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>