للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذ قيل يعتبر العمل والعرف مع وجود النص المخالف قلنا: إن النص إما أن يكون قطعيًّا أو ظنيًّا، فإن كان قطعي الثبوت قطعي الدلالة فلا يقول أحد بخلافه لا مالك ولا غيره، وإن كان ظني الدلالة فقد نص العلماء على أن العرف العام يقدم على الدليل الظني كما أنهم نصوا على أن العرف العام يقيد المطلق ويخصص العام ويبين المجمل، وهذا هو دور العمل بإطلاق، وإذا كان هذا هو دور العرف، وهذا اعتباره في كل مكان، وفي كل زمان فعمل أهل المدينة أجدر بالاعتبار والاحترام لما قدمنا، ثم إن الإمام مالك رضي الله عنه كان على غاية من الانسجام مع البيئة التي عاش فيها وتأثر بها إذ لم يكن مقتصرًا على الحديث وأغلق باب الرأي والنظر في كل ما احتاج إليه متماشيا مع المنهج الاجتهادي الذي ربطه بمناهج الشريعة ومقاصدها ومن هنا كان رحمه الله حريصًا على الحرص على أن يربط النص الشرعي بالحياة العملية التي كانت قائمة بالمدينة فيقدر ما كان وقافًا عند النصوص في العبادات بقدر ما كان يراعي المصالح في المعاملات، وبذلك كان منسجما أخذًا بعين الاعتبار العمل القائم في المدينة معتبرًا أنه الصورة العملية التطبيقية للشريعة الإسلامية.

ولكن هنا لقائل أن يقول إذا اعتبرنا أن عمل أهل المدينة من قبيل العرف، كما قرره ابن خلدون أو هو بمثابته، فلم عد المالكية في الأصول التي انبنى عليها مذهبهم العرف مستقلا عن عمل أهل المدينة؟ فالجواب: أنا قدمنا الفرق في الخلاف بين الجماعة هي أن العرف والعمل هما لفظان مترادفان وهو ما ذهب إليه جماعة ومنهم من فرق بينهما بأن العمل إنما هو ممن يقتدي به من العلماء، أما العرف فهو فعل العامة مرة بعد مرة ولا يظهر كبير فرق بين ما جرى به العمل وبين العرف لأن ما تعارفه الناس بمعنى تعودوا عليه وعملوا به، ولذا نرى الكثير من العلماء من لا يفرق بينهما ويجعلهما شيئًا واحدًا وكثيرًا ما يكون العمل تابعا للعرف، قاله الشيخ الحجوي في الفكر السامي (١) ومثل بأدوات المنزل مبينًا أن منها ما يكون للزوجة حسب العوائد والأعراف ومنها ما يكون للزوج وأن كل بلد يحكم له بعرفه، وفي تحفة أكياس الناس في شرح عمل فاس أن غالب عمل فاس مبني على الأحكام العرفية كما يذكر أن عمل فاس غالبًا يتبع القول الموافق لأعراف الناس، والحق أن جريان العمل بالشيء ليس هو جريان العرف به إذ مراد العلماء بقولهم به العمل وعمل به، أن القول حكمت به الأئمة واستمر حكمهم به وجريان العرف بالشيء هو عمل العامة من غير استناد لحكم من قول أو فعل (٢) .


(١) الفكر السامي للحجوي الثعالبي: ٤ /٢٢٩، ط دائرة المعارف المغرب
(٢) حاشية المهدي على شرح التاودي: ١ /٤٣٢، ط حجرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>