وهذا النوع يجري مجرى العرف العام وفيه أيضًا ما هو معمول به ولكنه قليل وهو يجري مجرى العرف الخاص وما كان عامًا مستمرًا فهو الذي يأخذ به مالك ويقدمه على خبر الآحاد ومعلى القياس، وهذا الفعل الذي جرى عليه أهل المدينة لا يكون إلا لأمر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعه الصحابة فيه والتابعون من بعدهم أو يكون واقعًا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقرهم عليه واستمر الناس عليه زمن الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم وهذا لا شك في صحة الاستدلال به والأخذ به والاعتماد عليه إذ لا بد أن يكون لمعنى شرعي تحروا العمل به، ولا شك أن ما داوم الناس عليه هو أولى من الأخذ بقول واحد، وهذا ما فعله مالك حيث قدم العمل على أخبار الآحاد حيث راعى العمل المستمر ورآه أقوى من أخبار الآحاد لأن خبر الآحاد لا يفيد إلا الظن والعمل المستمر الذي جرى من زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمن الصحابة والتابعين الذين أدركهم مالك وراقب أعمالهم، ففي هذا من القوة ما ليس في قول الصحابي، ولذلك قدمه مالك على الأخبار الآحادية والقياس، يقول الشاطبي: ومن هذا المكان يتطلع إلى قصد مالك رحمه الله في جعله العمل مقدَّمًا على الأحاديث إذ كان، إنما يراعي كل المراعاة العمل المستمر والآخر ويترك ما سوى ذلك وإن جاء فيه أحاديث لأن عمل أهل المدينة أثبت في الاتباع وأولى أن يرجع إليه وقد كان مالك يقول إذا جاءك مثل هذا مما كان في الناس وجرى على أيديهم لا يسمع عنهم فيه شيء، فعليك بذلك، فإنه لو كان لذكر، لأنه من أمر الناس الذي قد كان فيهم وكان إذا بلغه حديث لم يكن يرى الناس يعملون به، يقول: أحب الأحاديث إلي ما أجتمع الناس عليه، وهذا مما لم يجتمع الناس عليه، وإنما هو حديث من أحاديث الناس، ولهذا المعنى قال الشاطبي: لما أخذ مالك بما عليه الناس وطرح ما سواه انضبط له الناسخ من المنسوخ على يسر كما اعتبر الاقتداء بالأفعال أقوى من الاقتداء بالأقوال (١) .