كما رووا عنه أنه سجد في الحج سجدتين وقالوا: ليس عليه العمل ورووا عنه أنه لا حركة في سوقنا، فقالوا: لا بالحركة في السوق ورووا عن عثمان أنه كان يصلي الجمعة، ثم ينصرف وما للجدران ظل، فقالوا: ليس عليه العمل كما رووا عنه أنه كان يغطي وجهه وهو محرم، فقالوا: ليس عليه العمل ولا يغطي المحرم وجهه وهكذا يروى مخالفتهم لعائشة وابن عمر وسائر الصحابة بالمدينة دون استثناء كما خالفوا سائر فقهاء المدينة كسعيد بن المسيب وسلمان بن يسار وبمثل هذه المخالفات يسقط ابن حزم احتجاج المالكية بعمل أهل المدينة ويقول: فليس هناك عمل إلا النصوص ولا حجة في عمل أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم (١) وابن حزم فيما ذهب إليه قد تبنى ما قاله الإمام الشافعي في الأم سواء أكان فيما احتج به أو الأسلوب الذي اتخذه في إسقاط حجج من قال بعمل أهل المدينة.
وخلاصة القول أن أسباب رد العمل لأهل المدينة يرجع إلى أمرين اثنين، أولاهما: ما حدث في المدينة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كافٍ في نظرهم في رد عمل أهل المدينة وعدم الأخذ به كدليل من الأدلة الشرعية. الأمر الثاني: لأسباب الرد الأحاديث التي رواها مالك في الموطأ وهو لا يروي إلا الصحيح وهو إمام الحديث، ثم بعد ذلك لا يعمل بها فبالنسبة للأمر الأول يذكرون أن الأقوال تغيرت عما كان عليه زمن الصحابة والخلفاء الراشدين، وقد حدث من الفساد حتى في عصرهم ما أدخل كثيرًا من التبديل والتغيير حتى قال أبو الدرداء رضي الله عنه لو خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم ما عرف شيئًا مما كان عليه هو وأصحابه إلا الصلاة، قال الإمام الأوزاعي: فكيف لو كان اليوم (٢) .
وروي عن أم الدرداء، قالت: دخل أبو الدرداء وهو غضبان، فقلت: ما أغضبك، قال: والله ما أعرف فيهم شيئًا من أمر محمد صلى الله عليه وسلم إلا أنهم يصلون جميعًا (٣) وفي أشرف الطالب في أسنى المطالب لأحمد بن قنفذ قال أنس: يعني الصحابي الجليل خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أن رجلًا أدرك السلف الأول ثم بعث اليوم ما عرف من الإسلام شيئًا، قال: ووضع يده على هذه ثم قال: إلا هذه الصلاة، ثم قال: أما والله على ذلك لمن عاش في هذا النكر ولم يدرك ذلك السلف الصالح فرأى مبتدعًا يدعو إلى بدعة ورأى صاحب دنيا يدعو إلى دنياه فعصمه الله من ذلك وجعل قلبه يحن إلى ذلك السلف الصالح يسأل عن سبيلهم ويقتفي آثارهم ويتبين سبيلهم ليعوض أجرًا عظيمًا.
(١) المحلى: ١ /٥٥ (٢) الاعتصام بتحقيق محمد رشيد رضا: ١ / ٢٦ (٣) مسند الإمام أحمد: ٦ /٤٤٣