وخلاصة القول أن الشافعي يرد عمل أهل المدينة لأمرين اثنين أولهما أن الأمر المجتمع عليه عنده ليس هو إجماع أهل المدينة، بل هو إجماع علماء الأمة في كل قطر وكل بلد، ثانيهما أن المسائل التي ادعى فيها الإجماع كان من أهل المدينة من هو مخالف فيها فضلًا عن مخالفة عامة البلدان الأخرى ولم يفرق الشافعي رحمه الله بين ما أجمع عليه أهل المدينة فيما كان منشؤه النقل والحكاية وما كان منشؤه الاجتهاد والرأي، ولذلك قال بعدم حجيته مطلقًا وهو بذلك خالف شيخه مالكا وشدد التكبير على أصحابه، ثم هو بعد هذا الموقف يقرر أن علماء المدينة إذا اجتمعوا على أمر كان ذلك الأمر موضع اتفاق العلماء في كل البلدان وهو من جهة أخرى ينظر إلى آراء أهل المدينة نظرة تقدير وإكبار وكان يوصي بالأخذ بأقوالهم، فقد جاء في مناقبه. روى البيهقي بإسناده عن يونس بن عبد الأعلى، قال: ناظرت الشافعي رضي الله عنه في شيء، فقال: والله ما أقول لك إلا نصحًا إذا وجدت أهل المدينة على شيء فلا يدخل في قلبك شك أنه الحق وكل ما جاءك ولم تجد له بالمدينة أصلًا وإن ضعف فلا تعبأ به ولا تلتفت إليه، فنحن نرى أن الشافعي يرى أن الأخذ برأي أهل المدينة هو الحق وأن كل قول ولو كان قويًّا ولم يكن له أصل بالمدينة لا يعبأ به، بل إنه يرى أنه إذا اجتمع أهل المدينة على أمر فلا بد أن يكون موضع اجتماع العلماء وكل بلد ومن أقواله: إن عمل أهل المدينة أحب إلى من القياس نقله عن القاضي عياض (١) ولما في كلام الشافعي من التضارب بالقول بعمل أهل المدينة أو برفضه، قال ابن العربي: وددنا أن الشافعي لم يتكلم في هذه المسألة، فكل مسألة له فيها أشكال (٢) ولما في كلام الشافعي من التضارب بالقول بعمل أهل المدينة أو برفضه، قال ابن العربي: وددنا أن الشافعي لم يتكلم في هذه المسألة، فكل مسألة له فيها أشكال (٣) ، ومن كبار الحنفية الإمام السرخسي فقد ذكر في أصوله أنه يرفض الأخذ بما جرى به عمل أهل المدينة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وصرح بأن هذا العمل إن كان من أهلها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا لا ينازع فيه أحد وإن كان المراد أهلها بإطلاق فيكل عصر، فهذا باطل لا يقول به أحد، بل إنه ليس في بقعة من البقاع اليوم في دار الإسلام قوم هم أقل علمًا وأظهر جهلًا وأبعد عن أسباب الخير من الذين هم بالمدينة، فكيف يستجاز القول بأنه لا إجماع في أحكام الدين إلا إجماعهم (٤) .
كذلك تعرض الغزالي في المستصفى لمسألة عمل أهل المدينة وانتقده، فقال: مسألة، قال مالك: الحجة في إجماع أهل المدينة فقط، وقال قوم: المعتبر إجماع أهل الحرمين مكة والمدينة، والمصرين الكوفة والبصرة وما أراد المحصلون بهذا إلا أن هذه البقع قد جمعت في زمن الصحابة أهل الحل والعقد.