للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القسم الثانى: العمل المتأخر بالمدينة وهنا يتجه الخلاف أولا إلى التسليم به كمصدر من مصادر العمل ولم يذكره عياض في مصادر العمل، بل ظهر كلامه بنفيه أما ابن تيمية وابن القيم فيريان أن هناك عملا متأخرا وأنه ليس بحجة، وخلاصة القول أن عمل أهل المدينة طوال القرن الأول إلى عهد مالك بن أنس كان العمل مستمرًا في التابعين الآخذين عن الصحابة، فإن أبا الدرداء يجعل قوة العمل في الثلث الأول من القرن الأول، ثم ينهج نفس المنهج عمر بن عبد العزيز في آخر القرن في إبان ازدهار حلقة مالك وهذا معنى القضاء المستمر والعمل المطبق بقوة الدولة في القرن الأول والثاني ثم نجد مالكًا يتابع النظر نفسه طوال القرن الثاني، ثم إنه ليبتدع هذا المنهج ابتداعًا، بل سلك في ذلك مسلكًا قد سبقه إليه غيره من الصحابة والتابعين وأهل العلم وإنما اشتهر به مالك، لأنه ابتلي بكثرة الإفتاء وقد وجد في بعض ما أفتى به ما يخالف الخبر الذي رواه هو فنسب ذلك إليه وإن كان متبعًا ولم يكن مبتدعًا، ولقد أيد الأخذ بالعمل جمهرة من العلماء قديما وحديثًا، ورأوا أن مالكًا فتح بهذا المصدر بابًا جديدًا من أبواب الاستدلال واستنباط الأحكام فقد ذكر ابن تيمية أن سائر الأمصار كانوا مناقدين لعلم أهل المدينة لا يعدون أنفسهم أكفاءهم في العلم كأهل الشام ومصر وأن تعظيمهم لعمل أهل المدينة واتباعهم لمذاهبهم القديمة ظاهر بين ولهذا ظهر مذهب أهل المدينة في هذه الأمصار، فإن أهل مصر صاروا نصرة لقول أهل المدينة يوضح ذلك أن العلم إما رواية وإما رأي وأن أهل المدينة أصح أهل المدن رواية ورأيًا وأما حديثهم فأصح الأحاديث وقد اتفق أهل العلم بالحديث على أن أصح الأحاديث أحاديث أهل المدينة إذ كانوا يتوفرون على أسانيد متصلة وضبط الألفاظ، وأما الفقه والرأي فقد علم أن أهل المدينة لم يكن فيهم من ابتدع بدعة في أصول الدين مثل ما كان عليه الشأن في غيرها من الأمصار لقد كان المنصور والمهدي والرشيد من خلفاء دولة العباسيين يرجحون علماء الحجاز على علماء أهل العراق، كذلك بنو أمية يرجحون علماء أهل الحجاز على أهل الشام وما ذلك إلا لأن مالكًا كما يقول ابن تيمية: أقوم الناس بمذهب أهل المدينة رواية ورأيا فإنه لم يكن في عصره ولا بعده أقوم بذلك منه وكان له من المكانة عند أهل الإسلام ما لا يخفى على من له بالعلم أدنى إلمام، ولذلك قال الشافعي: ما تحت أديم السماء كتاب أكثر صوابًا بعد كتاب الله من موطأ مالك وقال أحمد بن حنبل: إن عمل أهل المدينة الذي يجري مجرى النقل حجة باتفاق المسلمين كما قال مالك لأبي يوسف لما سأله عن الصاع والمد وأمر أهل المدينة بإحضار صيعانهم وذكروا له أن إسنادهم على أسلافهم أترى هؤلاء يا أبا يوسف يكذبون؟ قال: والله لا يكذبون، قال مالك فإني حررت هذه الصيعان فوجدتها خمسة أرطال وثلث بأرطالكم يا أهل العراق فقال أبو يوسف رجعت إلى قولك يا أبا عبد الله ولو رأى صاحبي ما رأيت لرجع كما رجعت وهذه هي المرتبة الأولى، والمرتبة الثانية العمل القديم بالمدينة قبل مقتل عثمان، فهذا حجة عند مالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>