وإن كان مخالفا للأخبار جملة فإن كان إجماعهم عن طريق النقل ترك له الخبر بغير خلاف عند المالكية وعند المحققين من غيرهم، قال عياض: وما كان يتصور فيه خلاف، وعلى تقدير وجوده لا يلتفت إليه إذ لا يترك القطع واليقين لغلبة الظنون – أما إن كان إجماعهم عن اجتهاد قدم الخبر عليه عند الجمهور، وفيه خلاف بين المالكية – أما إذا لم يكن هناك عمل يخالفه النص أو يوافقه فحينئذٍ يجب الرجوع إلى خبر الواحد وقبوله سواء أكان هذا الخبر قد نقله المالكية أو غيرهم إذا صح ولم يعارض، فإن عورض بخبر آخر نقله غير أهل المدينة كان ما نقله أهل المدينة مرجحًا عند كثير من المحققين للمزية مشاهدتهم قرائن الأحوال وتصدرهم لنقل آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سيما وهم الكثرة والجم الغفير عن الجم الغفير.
هذا تفصيل ما جاء القاضي عياض ونفى أن يكون مالك قال غيره ورد على ما وزعمه الغزالي من أن مالكًا قال: لا يعتبر إلا إجماع أهل المدينة دون غيرهم، كما رد على من زعم أن مالك يرى إجماع الفقهاء السبعة بالمدينة وهم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وأبو بكر ابن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وخارجة بن زيد بن ثابت وسليمان بن يسار، كما رد على من ذهب إلى أن المالكية لا يقبلون من الأخبار إلا ما صاحبه عمل أهل المدينة ووصف ذلك بالجهل والكذب وأنهم لم يفرقوا بين رد الخبر الذي في مقابل عملهم وبين ما لا يقبل منه إلا ما وافقه عملهم والذي ادعى ذلك هو ابن حزم، حيث قال: ذهب أصحاب مالك إلى أنه لا يجوز العمل بالخبر حتى يصحبه العمل وموضوع عمل أهل المدينة قد استعرضه الدكتور أحمد محمد نور سيف في كتابه عمل أهل المدينة بين مصطلحات مالك وآراء الأصوليين فبين أنواع العمل ومراتب هذه الأنواع ومصادر هذا العمل وحجية كل مصدر منها ونقل مراتب العمل عند أبي الفضل عياض وعند ابن تيمية وحجية كل مرتبة وعند ابن القيم وحجية كل مرتبة وأجرى مقارنة بين مناهج هؤلاء في مصدر العمل ومراتبه وحجيته ثم لخص مراتب العمل إلى أولًا: العمل النقلي وهو الشرع المبتدأ من جهة النبي صلى الله عليه وسلم حجة عند مالك وعند الجمهور ويستقل بمعارضة السنن، ثانيًا: العمل الاستدلالي وهو قسمان، العمل القديم بالمدينة وهو نوعان، عمل من جهة الاستدلال لم يعتضد بشيء ولكنه لا يعارض السنة وهو حجة عند مالك وعند الجمهور كما حكى ذلك ابن تيميمة عن الشافعي وأحمد ورد فإن الترجيح لا يكون إلا في المرويات لا في الاجتهاد بلا ترجيح، الثانى: عمل من جهة الاستدلال لكنه اعتضد بسنن سواء عارض سننًا أخرى أم لم يعارض وهذا حجة عند مالك وعند الجمهور كما حكى ذلك ابن تيمية.