من المعلوم أن المدينة المنورة قد احتضنت نبي الرحمة وهادي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم، فيها ظهرت الشريعة المحمدية وتكونت الدولة الإسلامية، وبها اجتمع الأنصار والمهاجرون الذين تلقوا هذه الشريعة وثبتوها ونقولها إلى التابعين وهم بدورهم نقولها إلى تابعي التابعين الذين كان من بينهم إمام دار الهجرة مالك بن أنس إمام الفقه والحديث والذي اشتهر بوقوفه موقفًا وسطًا بين النقل والرأي، فكان لا يهمل الرأي ولكنه يأخذ به فيما لم يرد فيه نص ثابت من حديث أو أثر وكان يتتبع آثار الرسول وآثار صحابته والتابعين وقد اعتبر عمل أهل المدينة وجعله أصلًا في بناء الفروع عليه وذلك للأسباب الآتية:
١- قرب أهل المدينة من واقع الوحي ومحافظتهم على ما سمعوه وما علموه وشاهدوه.
٢- اعتقاده أن ما كان عليه أهل المدينة قد أقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه.
٣- أن الرسول لبث ثلاث عشرة سنة في المدينة يوحى إليه ويبني قواعد الأمة ويدير شؤونها دينًا ودنيا، عبادة ومعاملة فاعتبر مالك دينه كما اعتبر عمله.
٤- متابعة الصحابة لما جاء هم به رسول الله صلى الله عليه وسلم في سكوته وعمله.
٥- اعتباره المدينة مركزًا لاجتماع كبار الصحابة وما اجتمع لهم من علم وعمل وسلوك بنبيهم صلى الله عليه وسلم.
٦- الطريقة التي سلكها أبو بكر زمن خلافته من جمعه للصحابة فيما يعرض من المسائل وأخذه بفتاويهم واعتماده عليهم في العلم والعمل.
٧- سلوك عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان نفس مسلك أبي بكر واقتداؤهما بالخليفة الأول.
٨- انتهاج التابعين نفس المنهج والسير على منوال الصحابة ناظرين إلى الدين بمنظار سبقهم.