للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آراء الفقهاء وحكمهم في العرف:

أجمع الفقهاء على الأخذ بالعرف الذي أشار إليه النص أو بنى عليه كالذي ورد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين سألته امرأة أبي سفيان عن تقتير أبي سفيان فقال لها: ((خذي من مال أبي سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف)) ، قال الحافظ ابن حجر: أن الشافعية إنما منعوا العمل بالعرف إذا عارضه نص شرعي أو لم يرشد إليه نص شرعي فكأنهم اشترطوا في الأخذ به أن يرشد إليه نص شرعى أو لا يعارضه، أما الفقه المالكي والحنفي فيأخذ بالعرف بل يعتبر أصلًا من الأصول الفقهية، كما قدمنا وذلك فيما لا نص قطعي فيه وكذلك الحنابلة تأخذ به إذا لم يتعارض مع نص من نصوص الشريعة فالأئمة الأربعة قائلة بهذا النوع من العرف (١) أما الشيعة فترى الأخذ بالعرف لكنهم لا يعتبرونه أصلًا بذاته في مقابل الأًول يقول السيد محمد تقي الدين الحكيم: أما ما يتصل بالمجال الأول (يعني ما يستكشف منه حكم شرعي فيما لا نص فيه كالاستصناع وعقد الفضولي) ، فواضح رجوعه إلى السنة بإقرار لأن المدار في حجتيه هو إقرار الشارع له لبداهة أن العرف لا يكسبها قطها يجعل الحكم على وفقه فلا بد من رجوعه إلى حجة قطعية وليست هي إلا إقرار الشارع أو إمضاءه له والإمضاء إنما قال على أحكام عرفية خاصة لا على أصل العرف، فالشارع أمضى الاستصناع أو عقد الفضولي مثلا وهما حكمان عرفيان، ولم يمضِ جميع ما لدى العرف من أحكام، بل لم يمضِ أصل العرف كما يتوهم ليكون أصلًا في مقابل السنة لعدم الدليل على هذه التوسعة (٢) .

النوع الثاني: يرى المالكية والحنفية الأخذ بالعرف الذي لم يثبت نهي عنه ولا إرشاد إليه ولا إيماء بالعمل به بنص ويعتبرون العرف أصلا مستقلًا يخصص العام ويقيد المطلق ويقدم على القياس (٣)

النوع الثالث: رد العرف الفاسد وهو ما نص الشارع على إبطاله وتحرميه (٤) وقد نقل الشيخ محمد الخضر حسين أن الشيخ الصالح سيدي إبراهيم الرياحي ذكر في بعض فتاويه أن العرف المعتبر هو ما يخصص العام ويقيد المطلق وأما عرف يبطل الواجب ويبيح الحرام فلا يقول به أحد من أهل الإسلام (٥) ولقد اهتم المالكية والأحناف اهتمامًا كبيرًا بالعرف إذ هو يتفق كثيرًا مع المصلحة، والمصلحة أصل من الأصول عند المالكية؛ ولأن العرف يأتلف مع النفوس، فإذا كانت الأحكام على مقتضاه تلقاه الناس بالقبول وكانت مخالفته تؤدي إلى الحرج والمشقة والله تعالى يقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (٦) .

والتشريع يوافق الفطرة ولا يخالفها فإذا كان العرف صحيحًا كان متفقًا مع الفطرة والله تعالى يقول: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (٧) .


(١) انظر كتاب مالك، لأبي زهرة: ص ٤٤٨
(٢) الأصول العامة للفقه المقارن للسيد محمد تقي الدين حكيم: ص ٤٢٣.
(٣) انظر كتاب مالك للشيخ أبن زهرة: ص ٤٤٩.
(٤) انظر كتاب مالك للشيخ أبن زهرة: ص ٤٤٩.
(٥) الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، للشيخ محمد الخضر حسين: ص ٣٦
(٦) سورة الحج: الآية ٧٨
(٧) سورة الروم: الآية ٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>