وفي رسالة نشر العرف لابن عابدين أن العادة مأخوذة من المعاودة فهي بتكرارها ومعاودتها مرة أخرى صارت معروفة مستقرة في النفوس والعقول متلفات بالقبول من غير علاقة ولا قرينة حتى صارت حقيقة عرفية، فالعادة والعرف بمعنى واحد من حيث المصداق وإنما اختلفا من حيث المفهوم (١) ، وقد ينشأ العرف عن غير العادة وهناك من العلماء من يرى أن العادة أعم من العرف على اعتبار أنها جنس أعم يندرج تحتها أنواع منها العرف وذلك لأن العادة تشمل العادة الناشئة عن عامل طبيعي وعن العادات الفردية وعن العادات التي تعود عليها الجمهور والتي يعبر عنها بالعرف ولذلك قال بين العرف والعادة العموم والخصوص فكل عرف عادة وليست كل عادة عرفًا وإلى هذا المعنى ذهب الشاطبي في موافقاته فقال: العوائد أيضًا ضربان بالنسبة إلى وقوعها في الوجود، أحدهما: العوائد العامة التي لا تختلف بحسب الأعصار والأمصار والأحوال كالأكل والشرب والرفح والحزم واليقظة والميل إلى الملائم والنفور عن المنافر، والثاني العوائد التي تختلف باختلاف الأعصار والأمصار والأحوال كهيآت اللباس والمسكن واللين في الشدة والشدة فيه والبطء والسرعة في الأمور والأناة والاستعجال وما كان نحو ذلك فأما الأول: فيقضي به على أهل الأعصار الخالية والقرون الماضية للقطع بأن مجاري سنة الله في خلقه على هذا السبيل لا تختلف عمومًا كما تقدم فيكون ما جرى منها في الزمان الحاضر عمومًا به على الزمان الماضي والمستقبل مطلقًا كانت العادة وجودية أو شرعية وأما الثاني: فلا يصح أن يقضي به على ما تقدم ألبتة حتى يقوم دليل على الموافقة من خارج، فإذ ذاك يكون قضاء ما مضى بذلك الدليل لا بمجرى العادة وكذلك في المستقبل ويستوي في ذلك أيضًا الوجودية والشرعية، وإنما قلنا ذلك لأن الضرب الأول راجع إلى عادة كلية أبدية وضعت عليها الدنيا وإنما قامت مصالحها في الخلق حسبما بين ذلك الاستقراء وعلى وفاق ذلك جاءت الشريعة أيضا فذلك الحكم الكلي باق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهي العادة التي تقدم الدليل على أنها معلومة، وأما الضرب الثاني فراجع إلى عادة جزئية داخلة تحت العادة الكلية وهي التي يتعلق بها الظن لا العلم (٢) .
وذهب جماعة من العلماء إلى أنهما قسم واحد كالغزالي والجرجاني من المتقدمين وعبد الوهاب ومحمد المختار القاضي وعلي حيدر والشيخ محمد الخضر حسين من الإيثنونيين المتأخرين إذ يقول عبد الوهاب خلاف: العرف ما تعارفه الناس وساروا عليه من قول أو فعل أو ترك ويسمى العادة (٣) ويقول الدكتور القاضي: العرف والعادة مترادفان (٤) .
ويقول علي حيدر شارح مجلة الأحكام: العرف بمعنى العادة (٥) ونحن نميل إلى التفرقة بين العادة والعرف من حيث أن العادة تطلق على ما اعتاده الفرد أو بعض العباد في شؤون خاصة فإذا ما اعتاد فرد أن يستيقظ في وقت معين وأن يتناول فطور الصباح ويشرب القهوة أو يتناول فطور منتصف النهار أو يخرج للنادي، مرة فمرة فإن ذلك يصبح له عادة والجماعة التي تحتفل بعيد معين أو تقيم احتفالًا بمناسبة جز الغنم فإنها تعتبر عادة نعم، قد تتحول هذه العادة إلى عرف بالتكرار في بلد من البلدان فتصبح عرفا خاصا وقد يعم البلاد أو مجموعة أقطار فيصبح عرفا عاما ولكن لا تتحول العادة إذا بقيت عند فرد إلى عرف عام ما لم تنتقل إلى الجماعة والعادة ليس لها قوة الإلزام لأنه لا يتوفر لها التقدير المعنوي بخلاف العرف (٦) .
(١) رسالة نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف، لابن عابدين: ٢ /١١٤ (٢) الموفقات، للشاطبي: ٢ /٢٢٠، ط. صبيح مصر (٣) أصول الفقه للشيخ عبد الوهاب خلاف: ص ٩ – ١٠ (٤) الرأي في الفقة الإسلامي: ص ٢٣٥ (٥) شرح مجلة الأحكام: ١ / ٤٠، ط بيروت – كتاب الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، للشيخ محمد الخضر حسين التونسي نشر علي رضا التونس، ط بيروت: ص ٣٣ (٦) انظر أصول القانون، لحسن كيرة: ص ٣٢٢، والوجيز في المدخل للقانون لشمس الدين الوكيل: ص ١٨٨