أما المذهب الشافعي:
فقد جاء في المجموع وشرحه ما يفيد أنه أن وصل الدواء من المأمومة أو الجائفة إلى خريطة دماغه أو إلى بطنه أفطر.
وأرى أن البحث في هذه القضية يجب أن ينظر إليه في واقع الأمر حسب سنن الله في الخلق , فإذا كانت المأمومة يصل أثر دوائها إلى الأجهزة القابلة ثم المحيلة فهي مفطرة , وإذا كانت تتشربها المسام الظاهرة فلا وجه للقول بتأثيرها في الفطر. وقد أكد الدكتور البار في بحثه أنه لا صلة بين الدماغ والجوف ما دام الحاوي سليمًا. وأنه إذا انكسر فالوضع أخطر من الصيام والفطر؛ لأن المصاب يكون في وضع يستدعي العلاج المكثف , وإجراء عمليات دقيقة وبقاءه مدة في المراقبة المستمرة , وفي بيت الإنعاش أن كتبت له الحياة، وقلما يقع إذا ما انهدم بناء الجمجمة، فالصورة كلها افتراضية.
وأما الجائفة فإنه قد يمكن أن تبلغ الطعنة إلى جزء من أجزاء المعدة أو ما اتصل بها من فوق أو من أسفل , وهي حالات تستدعي علاجًا سريعًا ومكثفًا , وإذا تمت مداواة داخل ذلك بدواء فلا شك أنه محقق للفطر إذا نفذ يقينًا إلى الجهاز الذي خلقه الله في الإنسان لهضم ما يرد إليه وتحويله إلى أجزاء الجسم حسب التقدير الدقيق في الخلق.
أما إدخال المنظار مع الأجهزة التي تقوم بكشف ما في الداخل للفريق الطبي لاستئصال المرارة أو غيرها أو أخذ عينة فهي لا تعتبر مفطرة عند الحنفية لعدم الاستقرار، والانفصال عن الخارج؛ إذ هذه الأجهزة طرفها في داخل الجسم وطرفها الآخر بيد الفريق الطبي.
وكذلك أخذ عينة لتحليلها من الكبد أو الطحال أو أي جزء من الباطن , وكذلك هي غير مفطرة عند المالكية لعدم وصولها إلى المعدة , وكذلك عند ابن تيمية. وهي مفطرة عند الشافعية والحنابلة. والرأي الأول أولى بالأخذ؛ لليقين بأن من أدخلت في بطنه هذه الأجهزة لم يأكل ولم يشرب ولم يتغذ، ولم يصل شيء إلى الجهاز الهضمي الذي يقوم عليه الصيام.
وأما التغذية من ثقب بالمعدة فلم أجد من تعرض لها من الفقهاء إلا الرهوني , أنهى كلامه على الحقنة بوضع سؤال فقال: وانظر هل مثله (أي الإيصال بحقنة) ما يصل للمعدة من ثقبة تحتها أو فوقها أو كالحقنة بالدبر أو يجري على ما تقدم في الوضوء؟
وما تقدم له في الوضوء: أنه لا يخلو الحال من خروج الخارج من الثقب، أن يكون الثقب في المعدة أو فوق المعدة أو تحت المعدة. والإشكال السابق الذي أورده في باب الصيام، وفرض فيه أن يجري على ما تقدم في الوضوء لا يظهر وجهه، ذلك أن الخارج من الثقب في المعدة يمكن أن يجري فيه القولان , أما في الصيام فلا، لأنه لا رابطة بين التأثير على الصائم وبين انسداد المخرجين.
والذي يظهر لي والله أعلم، أنه إذا كان الثقب في المعدة ذاتها فوصول شيء منه مفطر يقينًا , وإذا كان الثقب فوق المعدة في القناة الرابطة بين المعدة والحلقوم فمفطر قطعًا , وإذا كان الثقب تحت المعدة في المسلك الخارج منها فهو جار مجرى الحقنة , وإن كان الثقب فوق المعدة أو تحتها غير نافذ إلى المسلك الفوقي أو التحتي فلا أثر له في الفطر.