وذكر العلامة البغدادي: أن الأحاديث الواردة في الحساب، هي أخبار مستفيضة بين الأئمة، وهم مجمعون على صحتها (١)، وقال العلامة السعد التفتازاني:"سائر ما ورد به السمع، من عذاب القبر، والحساب، والصراط والميزان، وغير ذلك حق "(٢).
والأحاديث الواردة في شأن الحساب كثيرة متضافرة منها:
عن عائشة رضي الله عنها م قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ» قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ أَوَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (٨)} [الانشقاق: ٨] قَالَتْ: فَقَالَ: «إِنَّمَا ذَلِكِ العَرْضُ، وَلَكِنْ: مَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ يَهْلِكْ»(٣).
قال الأئمة: قوله: من نوقش الحساب يهلك، له معنيان:
أحدهما: أن نفس المناقشة، وعرض الذنوب والتوقيف عليها، هو التعذيب؛ لما فيه من التوبيخ.
والثاني: أنه مفض إلى العذاب بالنار، صححه الإمام النووي وقال:"وهذا الثاني هو الصحيح، ومعناه: أن التقصير غالب في العباد، فمن استُقصي عليه ولم يسامح هلك ودخل النار، ولكن الله تعالى يعفو ويغفر ما دون الشرك لمن يشاء"(٤).
وقال الإمام ابن الجوزي:"وظاهر هذا الحديث أن من فتش عن كل شيء عمله عذب؛ لأنه إنما يفتش المسخوط عليه، فأما المرحوم فإن بداية رحمته المسامحة في المسألة "(٥).
(١) البغدادي: الفرق بين الفرق، دار الآفاق الجديدة - بيروت، ط ٢ - ١٩٧٧ م، ص (٣١٤) (٢) التفتازاني: شرح المقاصد، دار الكتب العلمية - بيروت، ط ١ ١٤٢٢ هـ (٢/ ٢٧١) (٣) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب العلم، باب من سمع شيئاً فلم يفهمه فراجع فيه حتى يعرفه ح (١٠٣)، وأخرجه مسلم في صحيحه كتاب الجنة، باب إثبات الحساب ح (٢٨٧٦). (٤) النووي: شرح مسلم، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط ٢ - ١٣٩٢ هـ (١٧/ ٢٠٩). (٥) ابن الجوزي: كشف المشكل من حديث الصحيحين (٤/ ٣٥٧)، ابن حجر: فتح الباري (١١/ ٤٠٢)