فالصراط يطلق أصالة على الطريق، ثم يكون بحسب ما يلحقه من وصف فإن كان قوله في الحديث: (مدحضة مزلة)، فيه احتمال بيان سعة الصراط لأن الدحض والمزلة لا يكونان إلا في طريق واسع (١)، فيقال: هذا الاحتمال لا يقضي على ما جاء في السنة والأثر، من وصف الصراط بأنه: (أحد من السيف وأدق من الشعر)، فاللفظ المطلق في اللغة، دخله وصف التقييد من الشرع، فوجب القول به.
ويمكن أن يحمل كلا المعنيين على قول سعيد بن أبي هلال: (بلغنا أن الصراط أدق من الشعر على بعض الناس، ولبعض الناس مثل الوادي الواسع)، وقد حكم عليه الحافظ ابن حجر بأنه: مرسل أو معضل (٢) ... والجواب الأول أولى.
ومن هنا قال الإمام السفاريني عن كل تأويل في الحديث:" وهذا مردود والإيمان بما وصفنا من صفات الصراط، بأنه أدق من الشعرة، وأحد من السيف واجب" (٣).
[المسألة الرابعة: صفات الصراط]
من مجموع الأحاديث والآثار الواردة في الصراط، نستخلص صفاته وأهواله:
١ - أن الصراط أمر مفزع، يدل عليه شعار النبيين يومئذ: اللهم سلم سلم.
٢ - أن الصراط جسر ممدود على جهنم، يعبر الناس منه إلى الجنة.
٣ - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أمته، أول من يجوز الصراط.
٤ - أن الصراط مدحضة مزلة، أي: يزل من مشى عليه إلا من عصمه الله تعالى (٤).
قال الإمام ابن الأثير: "أراد أنه تزلق عليه الأقدام ولا تثبت " (٥).
٥ - أن الصراط أحد من السيف، وأدق من الشعرة.
٦ - أن الصراط عليه خطأ طيف وكلاليب، ومسكة وشوك، تخطف من أمرت بخطفه.
٧ - تفاوت الناس في المرور عليه على قدر أعمالهم.
(١) العثيمين: مجموع فتاوى العثيمين، دار الوطن، ١٤١٣ هـ (٨/ ٥١٨)
(٢) ابن حجر: فتح الباري، دار المعرفة - بيروت، ١٣٧٩ هـ (١١/ ٤٥٤)
(٣) السفاريني: البحور الزاخرة، شركة غراس للنشر، ط ١ ١٤٢٨ هـ (١/ ٧٣٩)
(٤) عياض: مشارق الأنوار، المكتبة العتيقة، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها (١/ ٣١٠)
(٥) ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث والأثر، المكتبة العلمية - بيروت، ١٣٩٩ هـ (٢/ ٣١٠)