وقامت الملائكة كلّهم صفّا، فيكون عظم خلقه مثل صفوفهم. وقيل: هم خلق غير الإنس والجنّ يرون الملائكة، والملائكة لا يرونهم، كما أنّ الملائكة يروننا ونحن لا نراهم.
قوله تعالى:{لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ؛} معناه: الخلق كلّهم المؤمنون لا يتكلّمون إلاّ من أذن الله له الكلام، ولا يأذن إلاّ لمن إذا قال، {وَقالَ صَواباً}(٣٨).وقيل: معناه: إلاّ من أذن له الرحمن وقال في الدّنيا قولا صوابا عدلا، وهو كلمة التوحيد؛ يعني: لا إله إلاّ الله؛ لا إله إلاّ الله.
قوله تعالى:{ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ} أي ذلك اليوم وصف هو الحقّ، {فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً}(٣٩)؛أي رجعا حسنا؛ أي من شاء رجع إلى الله بطاعته.
ثم خوّف الكفار فقال تعالى:{إِنّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً؛} أي خوّفناكم من عذاب قريب كائن، يعني عذاب الآخرة، وكلّ ما هو آت قريب، والخطاب لأهل مكّة. ثم بيّن متى يكون ذلك العذاب، فقال تعالى:{يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ} أي يوم يرى الرجل فيه جزاء عمله في الدّنيا من خير أو شرّ، وخصّ اليدين؛ لأنّ أكثر العمل يكون بهما.
وأمّا الكافر فيقول:{وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً}(٤٠)؛أي ليتني لم أبعث، وليتني بقيت ترابا بعد الموت، وقال مقاتل: «إنّ الله يجمع الدّوابّ والطّيور والوحوش يوما، ويقضي بين الثّقلين الجنّ والإنس، ثمّ يقضي للجمّاء من القرناء، فإذا فرغ من ذلك، قال: من ربّكم؟ فيقولون: الرّحمن الرّحيم، فيقول الله تعالى: أنا خلقتكم وسخّرتكم لبني آدم، وكنتم لي مطيعين أيّام حياتكم، فارجعوا للّذي خلقتكم منه. فيصيرون ترابا، فعند ذلك يقول الكافر: {(يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً)}.» (١).قال أبو هريرة:«فيقول التّراب للكافر: لا حبّا ولا كرامة لك أن تكون مثلي»(٢).
آخر تفسير سورة (النبأ) والحمد لله رب العالمين
(١) بنحوه قاله مقاتل في التفسير: ج ٣ ص ٤٤٤. (٢) بنحوه أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (٢٨٠١٧).