قوله تعالى:{فَراغَ إِلى أَهْلِهِ؛} أي عدل ومال إلى سارة من حيث لم يعلم أضيافه لأيّ شيء عدل، {فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ}(٢٦)؛أي كثير الشّحم فوضعه بين أيديهم، قال قتادة:(وكان عامّة مال إبراهيم البقر)(١)
{فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ؛} ليأكلوه، فلم يأكلوا، {قالَ أَلا تَأْكُلُونَ}(٢٧)؛من طعامي،
{فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً؛} أي فأضمر في نفسه خيفة منهم حيث لم يأكلوا من طعامه، ظنّ أنّهم يريدون به سوء، فلمّا علموا خوفه، {قالُوا لا تَخَفْ؛} إنّا رسل ربك، {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ}(٢٨)؛حليم في صغره، عليم في كبره وهو إسحاق عليه السّلام.
قوله تعالى:{فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ؛} أي في ضجّة وصيحة؛ أي أخذت تولول؛ أي تقول: يا ويلتا. وقيل: الصّرّة جماعة النساء، مأخوذ من الصّرّة التي هي مجمع الدراهم، ومنه الشّاة المصراة، وقوله تعالى:{فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ}(٢٩)؛قال مقاتل والكلبي:(جمعت أصابعها فضربت جنبيها تعجّبا)(٢).
ومعنى الصّكّ: الضرب للشيء بالشيء العريض، والصّرة مأخوذ من الصّرّ وهو الصوت، كأنّها جاءت بشدّة الصياح فلطمت وجهها وهي تقول: أألد وأنا عجوز عاقرة، وكانت يوم البشرى بنت ثمان وتسعين سنة، وكان إبراهيم أكبر منها بسنة.
ومعنى قوله تعالى: {(وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ)}؛تقديره: أتلد عجوز عقيم، وكانت سارة لم تلد قبل ذلك، وكان بين البشارة والولادة سنة، فولدت سارة وهي بنت تسع وتسعين سنة، وإبراهيم يومئذ ابن مائة سنة.
قوله تعالى:{قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ؛} أي كما قلنا لك إنّك ستلدين غلاما عليما، {إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ}(٣٠)؛الحكيم من العقيم بالولد
(١) ذكره البغوي في معالم التنزيل: ص ٦٢٤. (٢) ذكره البغوي في معالم التنزيل: ص ١٢٣٥.ومقاتل في التفسير: ج ٣ ص ٢٧٨.