تخاطب الرجل الواحد بلفظ الجماعة كما يقول الرجل لآخر: أنتم تفعلون كذا ونحن نفعل كذا، ومنه قوله تعالى:{قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ}(١).
قوله تعالى:{لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً؛} قال ابن عبّاس: (معناه: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأعمل طاعة الله)(٢){فِيما تَرَكْتُ؛} أي في ما مضى من عمري، قال الله تعالى:{كَلاّ} لا يرجع إلى الدّنيا، ولا يجوز أن يكون (لعلّ) في هذه الآية للشّكّ؛ لأنه لا معنى لذلك مع حرصه على الرّجعة والنجاة من الموت والعذاب، وإنّما المعنى: لكي أعمل صالحا، و {(كَلاّ)} كلمة ردع وزجر وتنبيه أي لا يكون له ذلك.
قوله تعالى:{إِنَّها؛} أي من مسألة الرّجوع إلى الدّنيا، {كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها،} عند موته ولا فائدة في ذلك، {وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}(١٠٠)؛أي من أمامهم حاجز وحجاب بينهم وبين الرّجوع إلى الدّنيا، وهم فيه إلى يوم يبعثون، فالقبر حاجز، وكل فصل بين شيئين برزخ.
قوله تعالى:{فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ}(١٠١)؛قال ابن عبّاس:(يعني النّفخة الأولى)(٣).وقيل: هي النفخة الثانية. وقوله تعالى: {(فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ)،} قال الحسن:(والله إنّ أنسابهم لقائمة بينهم كما قال الله تعالى {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ} (٤) ولكنّهم لا ينتفعون بأنسابهم ولا يتعاطفون عليها، فكأنّهم لا أنساب لهم).
وقيل: معناه: لا تفاخر بينهم كما يتفاخرون في الدّنيا، ولا يتساءلون كما تسأل العرب في الدّنيا: من أيّ قبيل أنت؟ وقيل: لا يسأل بعضهم بعضا عن خبره وحاله كما كانوا في الدّنيا؛ لشغل كلّ واحد منهما بنفسه، ولا يسأل بعضهم بعضا أن يحمل شيئا من ذنوبه.
(١) القصص ٩/. (٢) في الدر المنثور: ج ٦ ص ١١٥؛ قال السيوطي: (أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات من طريق عكرمة). (٣) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٩٤٢٤). (٤) عبس ٣٤/-٣٥.