قوله تعالى:{وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ؛} يعني الجوع الذي أصابهم بدعوة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: [اللهمّ سنين كسنيّ يوسف](١) فجاعوا حتى أكلوا الوبر والدم (٢)، {فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ}(٧٦)؛أي فما خضعوا لربهم وما تضرّعوا ولا انقادوا في الأمر لله وما رغبوا إليه في الدّعاء، ولو كشف عنهم العذاب لم يشكروا، والاستكانة: طلب السّكون، والتّضرّع: طلب كشف البلاء من القادر عليه.
قوله تعالى:{حَتّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ؛} قيل: إنه القتل يوم بدر، وقيل: إنه عذاب الآخرة، {إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ}(٧٧)؛أي آيسون يتحيّرون، والإبلاس: اليأس مع التحيّر. وقيل: لمّا أصابهم من الجوع ما أصابهم، جاء أبو سفيان إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقال: أنشدك الله والرّحم، ألست تزعم أنّك بعثت رحمة للعالمين؟ قال [بلى] قال: فإنّك قد قتلت الآباء بالسّيف والأبناء بالجوع، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٣).
قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ}(٧٨)؛أي خلق لكم السمع تسمعون به، والأبصار تبصرون بها، والقلوب تعقلون بها، فشكركم فيما أعطي (٤) إليكم قليل (٥)،والأفئدة هي القلوب.
قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ؛} أي خلقكم في الأرض، {وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}(٧٩)؛أي تجمعون إلى موضع الحساب والجزاء.
(١) تقدم. (٢) في المخطوط: (الوس بالدم) والصحيح كما أثبتناه. وهو يسمى العلهز. أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٩٣٩٧) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. (٣) أخرجه الحاكم في المستدرك: ج ٣ ص ١٥٥:كتاب التفسير: باب كراهة السمر: الحديث (٣٥٣٩).والبيهقي في دلائل النبوة: ج ٤ ص ٨١.وفي مجمع الزوائد: ج ٧ ص ٧٣؛قال الهيثمي: (رواه الطبراني وفيه علي بن الحسين بن واقد، وثقه النسائي وغيره، وضعفه أبو حاتم. وأخرجه الطبري في جامع البيان: الحديث (١٩٣٩٨) بإسناد آخر. (٤) في المخطوط: (طبع) وهو غير مناسب. (٥) في اللباب في علوم الكتاب: ج ١٤ ص ٢٤٦؛ذكر ابن عادل قال: (قال أبو مسلم: وليس المراد أنّ لهم شكرا وإن قلّ، لكنه كما يقال للكفور والجاحد للنعمة: ما أقلّ شكر فلان).