وَفِي قَوْله تَعَالَى: (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) قَالَ: «وَكَانَ مَعْقُولًا فِي الْآيَةِ أَنَّ مَنْ مَسَحَ مِنْ رَأْسِهِ شَيْئًا فَقَدْ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَلَمْ تَحْتَمِلْ الْآيَةُ إلَّا هَذَا- وَهُوَ أَظْهَرُ مَعَانِيهَا- أَوْ مَسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ قَالَ: فَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنْ لَيْسَ عَلَى الْمَرْءِ مَسْحُ رَأْسِهِ كُلِّهِ. وَإِذَا دَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى ذَلِكَ فَمَعْنَى الْآيَةِ:
أَنَّ مَنْ مَسَحَ شَيْئًا مِنْ رَأْسِهِ أَجْزَأَهُ» .
وَفِي قَوْله تَعَالَى: (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) قَالَ الشَّافِعِيُّ: «نَحْنُ نَقْرَؤُهَا (وَأَرْجُلَكُمْ) عَلَى مَعْنَى: اغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ وأرجلكم وامسحوا برؤسكم قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْكَعْبَيْنِ- اللَّذَيْنِ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْوُضُوءِ- الْكَعْبَانِ النَّاتِئَانِ- وَهُمَا مَجْمَعُ مَفْصِلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ- وَأَنَّ عَلَيْهِمَا الْغُسْلَ. كَأَنَّهُ يَذْهَبُ فِيهِمَا إلَى اغْسِلُوا أَرْجُلَكُمْ حَتَّى تَغْسِلُوا الْكَعْبَيْنِ» .
وَقَالَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ «وَالْكَعْبُ إنَّمَا سُمِّيَ كَعْبًا لِنُتُوئِهِ فِي مَوْضِعِهِ عَمَّا تَحْتَهُ وَمَا فَوْقَهُ. وَيُقَالُ لِلشَّيْءِ الْمُجْتَمِعِ مِنْ السِّمَنِ، كَعْبٌ سَمِنَ «١» وَلِلْوَجْهِ فِيهِ نُتُوءٌ وَجْهٌ كَعَبَ والثدي إِذا تناهدا كَعَبَ.» .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي رِوَايَتِنَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: «وَأَصْلُ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يَأْتِي بِالْغُسْلِ كَيْفَ شَاءَ وَلَوْ قَطَعَهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: (حَتَّى تَغْتَسِلُوا: ٤- ٤٣) «٢» فَهَذَا مُغْتَسَلٌ وَإِنْ قَطَعَ الْغُسْلَ فَلَا أَحْسبهُ يجور- إذَا قَطَعَ الْوُضُوءَ- إلَّا مِثْلُ هَذَا» .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ، وَبَدَأَ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ. فَأَشْبَهَ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ فِي الْوُضُوءِ شَيْئَانِ [أَنْ] يَبْدَأَ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ ثُمَّ رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ مِنْهُ، وَيَأْتِي عَلَى إكْمَالِ
(١) ينظر هَامِش الام (ج ١ ص ٢٣) .(٢) انْظُر الام (ج ١ ص ٢٦) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute