للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ما كتبته، وحذفت تارةً، وزدت تارةً أخرى.

ولا زلت أقدم وأؤخرُ، وهكذا البشر، يستحسن المرء شيئًا، ثم تراه بعد ذلك لا يرضاه، وكما قال الإمام القاضي الفاضل البليغ عبد الرحيم بن علي البيساني (١)، ت ٥٩٦ في رسالة بعثها إلى العماد الأصفهاني معتذرا عن كلام استدركه عليه: إني رأيتُ أنه لا يكتب إنسان كتابًا في يومه إلا قال في غيره: لو غُيّر هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو تُرِكَ هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر.

وأستغفر الله مما زل به اللسان، أو داخله ذهول، أو غلب عليه نسيان، فإن كلَّ مُصَنِّف مع التؤدة والتأني، وإمعان النظر، وطول الفكر، قل أن ينفك عن شيء من ذلك (٢).

وكما قال الخطيب البغدادي - كما في سير أعلام النبلاء (١٨/ ٢٨١، ١٩/ ٣٠٨): مَنْ صنَّف فقد جعل عقله على طبق يعرضه على الناس.


(١) انظر ترجمته في وفيات الأعيان ٣/ ١٥٨، ٧/ ٢١٩، وسير أعلام النبلاء ٢١/ ٣٣٨، والعبر في خبر من غبر ٤/ ٢٩٣، وطبقات الشافعية للسبكي ٧/ ١٦٧، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ٢/ ٣٠، ومعجم البلدان ١/ ٥٢٧. وهذه الكلمات المنقولة للبيساني، وليست للعماد الأصفهاني كما هو مشهور، والله أعلم. وانظر الحطة في ذكر الصحاح الستة ص ٢٢، وأبجد العلوم ١/ ٧٠ لصديق حسن خان.
(٢) مقتبس من كلام الإمام المندري في آخر كتابه «الترغيب والترهيب» ٤/ ٣١٨.

<<  <   >  >>