هوًى كلَّما عادَتْ من الشَّرْقِ نفحةٌ … أعادَ ليَ الشَّوقَ الذي كان أَبْداهُ
وما شَغَفي بالرِّيح إلا لأنَّها … تمُرُّ بحيٍّ دونَ رامةَ مَثْواهُ
أُحِبُّ ثرى الوادي الذي بانَ أَهْلُهُ … وأَصبُو إلى الرَّبْع الذي مَحَّ مَغْناهُ
فما وَجَدَ النِّضْو الطَّليحُ بمنزِلٍ … رأى وِرْدَهُ في ساحَتَيْه ومَرْعاهُ
كَوَجْدِي بأطلالِ الدِّيارِ وإن مضى … على رَسْمِها كَرُّ العُصُورِ فأَبْلاهُ
دوارِسَ عَفَّاها النُّحولُ كَأنَّما … وَجَدْنَ بكُمْ بعدَ النَّوى ما وَجَدْناهُ
ألا حَبَّذا عَهْدُ الكثيبِ وناعمٌ … من العَيْشِ مَجْرورُ الذُّيولِ لَبِسْناهُ
لياليَ عاطَتْنا الصَّبابة دَرَّها … فلم يَبْقَ فيها مَنْهَلٌ ما وَرَدْناهُ
ولله وادٍ دونَ رَمْلَة عالجٍ (١) … يصحُّ إذا اعْتَلَّ النَّسيمُ خُزاماهُ
أناشِدُ أرواحَ العَشِيَّاتِ كلَّما … نَسَبْنَ إلى رَيَّا الأَحِبَّة رَيَّاهُ
وأكْمَدُ مَحْزُونٍ وأَوْجَعُ مُمْرَضٍ … من الوَجْدِ شاكٍ ليس تُسْمَعُ دَعْواهُ
وبالجِزْعِ حيٌّ كلَّما عَنَّ ذِكْرُهُمْ … أماتَ الهوى منِّي فؤادًا وَأَحْياهُ
تَمَنّيْتُهُمْ بالرَّقْمتينِ ودارُهُمْ … بوادي الغَضَا يا بُعدَ ما أَتَمَنَّاهُ
سقَى الوابِلُ الهَطَّالُ ما حِلَ رَبْعِكُمْ … ويُرْوحُهُ ما شاء يومًا وغاداهُ (٢)
وجَرَّ عليه ذَيْلَهُ كلُّ خاطرٍ (٣) … إذا ما مشى في عاطل التُّرْبِ حَلَّاهُ
وما كنتُ لولا أَنَّ دَمْعي من دَمٍ … لأَحْمِلَ مَنًّا للسَّحَابِ بَسُقْياهُ
على أَنَّ فخرَ المُلْكِ للأرضِ كافِلٌ … بفيض ندًى لا يَبْلُغُ القَطْرُ مَسْرَاهُ (٤)
أخو الحَزْمِ ما فاجاه خَطْبٌ فكادَهُ … وذُو العَزْمِ ما عاناه أَمْرٌ فعَنَّاهُ
تحامَتْنِيَ الأَيَّامُ عند لقائِهِ … كأنِّيَ فيها بَأْسُهُ وهْيَ أَعداهُ
إلى المَلِك الجَعدِ الجزيلِ عطاؤه … إلى القَمَر السَّعدِ الجميلِ مُحَيَّاهُ (٥)
(١) في "الديوان" و"الخريدة": ولله وادٍ دون ميثاء جاهز.
(٢) في "الديوان" و"الخريدة".
سقى الوابل الربعي ماحِلَ ربعكم … ورواحه ما شاء روح وغاداه
(٣) في بعض نسخ "الديوان": ماطر.
(٤) في "الديوان" و"الخريدة": شرواه.
(٥) في (ع): =