خُذا مِنْ صَبَا نَجْدٍ أمانًا لقلبه … فقد كادَ رَيَّاها يطيرُ بلُبِّهِ
وإياكما ذاكَ النَّسيمَ فإنَّه … إذا هَبَّ كان الوَجْدُ أَيْسَرَ خَطْبِهِ
خليليَّ لو أَحْبَبْتُما لَعَلِمْتُما … مَحَلَّ الهوى من مُغْرَمِ القَلْبِ صَبِّهِ
تذكَّرَ والذكرى تَشوقُ وذو الهوى … يتوقُ ومَنْ يَعْلَقْ به الحبُّ يُصبِهِ
غرامٌ على يأسِ الهوى ورَجائِهِ … وشَوقٌ على بُعدِ المَزَارِ وقُرْبِهِ
وفي الرَّكْبِ مَطْوِيُّ الضُّلُوعِ على جَوًى … متى يَدْعُهُ داعي الغَرَامِ يُلبِّهِ
إذا خَطَرَتْ من جانب الغَوْرِ (١) نفحةٌ … تضمَّنَ منها داءَهُ دونَ صَحْبِهِ
ومُحْتَجِبٍ بينَ الأَسِنَّةِ مُعْرِضٍ … وفي القَلْبِ من إعْراضِهِ مِثْلُ حُجْبِهِ
أغار إذا آنسْتُ في الحي أنَّةً … حِذارًا وخَوْفًا أن تكون لِحُبِّهِ
أَهِيْمُ إلى ماءٍ بُبْرَقةِ عاقِلٍ … ظَمِئْتُ على طُوْلِ الوُرُودِ بشُرْبِهِ
وأستافُ حُرَّ الرَّمْلِ شَوقًا إلى الحِمى (٢) … وقد أَوْدَعَتْني السُّقْم قُضْبانُ كُثْبِهِ
فيالَسَقامي من هَوى مُتَجنِّبٍ … بكى عاذلاه رحمة لمُحبِّهِ
ومن ساعةٍ للبَيْنِ غير حميدةٍ … سَمَحْتُ بطَلِّ الدَّمْعِ فيها وَسَكْبِهِ
ولستُ على وَجْدي بأوَّل عِاشقٍ .. . أصابَتْ سهامُ الحُبِّ حَبَّةَ قَلْبِهِ
وقد طالما هَوَّمْتُ في سِنَةِ الكَرَى … ولابُدَّ لي من يَقْظَةِ المتُنَبِّهِ
سألقى بعَضْبِ الدَّوْلةِ الدَّهْرَ واثقًا … بأمضى شَبًا من باتِرِ الحدِّ عَضْبِهِ
وأسْمُو عن الآمالِ هَمًا وهِمَّةً … سُمُوَّ جمالِ المُلْك عن كل مُشْبهِ
هو المَلْكُ يَدْعو المُرْمِلِينَ سماحةً … إلى واسعٍ باعَ المكارمِ رَحْبِهِ (٣)
كأنِّي إذا حيَّيْتُهُ بصفاتِهِ … أمُتُّ إلى بَدْرِ السَّماءِ بشُهْبِهِ
أغرُّ غياثٌ للأنامِ وعِصمَةٌ … يُعاشُ بنُعماه ويُحيا (٤) بذَبِّهِ
ولم يُرَ يومًا راجيًا غيرَ سَيْفِهِ … ولم يُرَ وقتًا خائفًا غيرَ ربِّهِ
وتَفْخَرُ دارٌ حلَّها بمُقامِهِ … وتَشْرُفُ أرْضٌ مَرَّ فيها برَكْبِهِ
(١) في "الديوان": الرمل.
(٢) في "الديوان": اللوى.
(٣) من هنا يبدأ خرم في نسخة باريس أتى على بقية الكتاب وكان الرمز لها بحرف (ب).
(٤) في الديوان: ويحمى.