مُسْلِمِي أُمَّتِهِ وَقِيلَ: أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا فِي الرِّسَالَةِ فَهُوَ أَوَّلُهُمْ فِي الْخَلْقِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ «١» الْآيَةَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ:
اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ الشَّافِعِيُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ بِهَذَا الذِّكْرِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهِ نَبِيَّهُ وَأَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ: «وجهت وجهي للذي فطر السّموات وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ» إِلَى قَوْلِهِ: «وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ» قُلْتُ: هَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مُطَوَّلًا. وَهُوَ أَحَدُ التَّوَجُّهَاتِ الْوَارِدَةِ، وَلَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ كَمَا فِي الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ، وَأَصَحُّ التَّوَجُّهَاتِ الَّذِي كَانَ يُلَازِمُهُ النبي صلّى الله عليه وَسَلَّمَ وَيُرْشِدُ إِلَيْهِ هُوَ «اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ» إِلَى آخِرِهِ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذَا فِي شَرْحِنَا لِلْمُنْتَقَى بِمَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى زيادة عليه هنا.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُقَاتِلِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ صَلاتِي قَالَ: يَعْنِي الْمَفْرُوضَةَ وَنُسُكِي يَعْنِي الْحَجَّ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَنُسُكِي قَالَ: ذَبِيحَتِي. وَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْ قَتَادَةَ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي قَالَ: حَجِّي وَذَبِيحَتِي. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَنُسُكِي قل: ذَبِيحَتِي فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَنُسُكِي قَالَ: ضَحِيَّتِي. وَفِي قَوْلِهِ: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ: مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا فَاطِمَةُ! قُومِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَكَ فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا كُلَّ ذَنْبٍ عَمِلْتِهِ، وَقُولِي: إِنَّ صَلَاتِي إِلَى وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ، قَلَتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لَكَ وَلِأَهْلِ بَيْتِكَ خَاصَّةً- فَأَهْلُ ذَلِكَ أَنْتُمْ- أَمْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟ قَالَ: لَا، بَلْ للمسلمين عامة» .
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٦٤ الى ١٦٥]
قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (١٦٤) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٥)
الِاسْتِفْهَامُ فِي أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا للإنكار، وهو جواب على المشركين لما دَعَوْهُ إِلَى عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ، أَيْ: كَيْفَ أَبْغِي غَيْرَ اللَّهِ رَبَّا مُسْتَقِلَّا وَأَتْرُكُ عِبَادَةَ اللَّهِ أَوْ شَرِيكًا لِلَّهِ فَأَعْبُدَهُمَا مَعًا، وَالْحَالُ أَنَّهُ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ، وَالَّذِي تَدْعُونَنِي إِلَى عِبَادَتِهِ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ هُوَ مَرْبُوبٌ لَهُ مَخْلُوقٌ مِثْلِي لَا يَقْدِرُ عَلَى نَفْعٍ وَلَا ضُرٍّ، وَفِي هَذَا الْكَلَامِ مِنَ التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ لَهُمْ مَا لَا يُقَادَرُ قَدْرُهُ، وَغَيْرَ: مَنْصُوبٍ بِالْفِعْلِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَرَبًّا: تَمْيِيزٌ أَوْ مَفْعُولٌ ثَانٍ عَلَى جَعْلِ الْفِعْلِ نَاصِبًا لِمَفْعُولَيْنِ قَوْلُهُ: وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها أَيْ لَا يُؤَاخَذُ مِمَّا أَتَتْ مِنَ الذَّنْبِ وَارْتَكَبَتْ مِنَ الْمَعْصِيَةِ سِوَاهَا، فَكُلُّ كَسْبِهَا لِلشَّرِّ عَلَيْهَا لَا يَتَعَدَّاهَا إِلَى غَيْرِهَا، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى:
لَها مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ «٢» وقوله: لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى. قَوْلُهُ: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى أَصْلُ الْوِزْرِ: الثِّقْلُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ «٣» وهو هنا: الذنب
(١) . الأحزاب: ٧.(٢) . البقرة: ٢٨٦.(٣) . الشرح: ٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute