عَسَاكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ بُرَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ: ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً قَالَ: وَعَدَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ أَنْ يُزَوِّجَهُ بِالثَّيِّبِ آسِيَةَ امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ، وَبِالْبِكْرِ مَرْيَمَ بنت عمران.
[سورة التحريم (٦٦) : الآيات ٦ الى ٨]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٦) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٨)
قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ بِفِعْلِ مَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَتَرْكِ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ وَأَهْلِيكُمْ بِأَمْرِهِمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَنَهْيِهِمْ عَنْ مَعَاصِيهِ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أَيْ: نَارًا عَظِيمَةً تَتَوَقَّدُ بِالنَّاسِ وَبِالْحِجَارَةِ كَمَا يَتَوَقَّدُ غَيْرُهَا بِالْحَطَبِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ. قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ: الْمَعْنَى: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ، بِالْأَدَبِ الصَّالِحِ، النَّارَ فِي الْآخِرَةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: قُوا أَنْفُسَكُمْ بِأَفْعَالِكُمْ، وَقَوْا أَهْلِيكُمْ بِوَصِيَّتِكُمْ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: فَعَلَيْنَا أَنْ نُعَلِّمَ أَوْلَادَنَا الدِّينَ وَالْخَيْرَ وَمَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ مِنَ الْأَدَبِ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ:
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها «١» وقوله: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ «٢» . عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ أَيْ: عَلَى النَّارِ خَزَنَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَلُونَ أَمْرَهَا وَتَعْذِيبَ أَهْلِهَا، غِلَاظٌ عَلَى أَهْلِ النَّارِ، شِدَادٌ عَلَيْهِمْ، لَا يَرْحَمُونَهُمْ إِذَا اسْتَرْحَمُوهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَلَقَهُمْ مِنْ غَضَبِهِ، وَحَبَّبَ إِلَيْهِمْ تَعْذِيبَ خَلْقِهِ، وَقِيلَ:
الْمُرَادُ غِلَاظُ الْقُلُوبِ شِدَادُ الْأَبْدَانِ، وَقِيلَ: غِلَاظُ الْأَقْوَالِ شِدَادُ الْأَفْعَالِ، وَقِيلَ: الْغِلَاظُ ضِخَامُ الْأَجْسَامِ، وَالشِّدَادُ: الْأَقْوِيَاءُ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ أَيْ: لَا يُخَالِفُونَهُ فِي أَمْرِهِ، وَ «مَا» فِي مَا أَمَرَهُمْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: لَا يَعْصُونَ اللَّهَ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً، أَيْ: لَا يَعْصُونَ اللَّهَ أَمْرَهُ، عَلَى أَنْ يَكُونَ مَا أَمَرَهُمْ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنَ الِاسْمِ الشَّرِيفِ، أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ نَزْعِ الْخَافِضِ، أَيْ: لَا يَعْصُونَ اللَّهَ فِي أَمْرِهِ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ أَيْ: يُؤَدُّونَهُ فِي وَقْتِهِ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ، لا يؤخّرونه عنه ولا يقدّمونه يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ أَيْ: يُقَالُ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلُ عِنْدَ إِدْخَالِهِمُ النَّارَ تَأْيِيسًا لَهُمْ وَقَطْعًا لِأَطْمَاعِهِمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ مِنَ الْأَعْمَالِ فِي الدُّنْيَا، وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُهُ: فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ «٣» يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً أَيْ: تَنْصَحُ صَاحِبَهَا بِتَرْكِ الْعَوْدِ إِلَى مَا تَابَ عَنْهُ، وُصِفَتْ بِذَلِكَ عَلَى الْإِسْنَادِ الْمَجَازِيِّ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ وَصْفٌ لِلتَّائِبِينَ أَنْ يَنْصَحُوا بِالتَّوْبَةِ أَنْفُسَهُمْ بِالْعَزْمِ عَلَى التَّرْكِ للذنب وترك المعاودة له.
(١) . طه: ١٣٢.(٢) . الشعراء: ٢١٤.(٣) . الروم: ٥٧.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute