قَدْ حَصَّتِ الْبَيْضَةُ رَأْسِي فَمَا ... أَطْعَمُ نَوْمًا غير تهجاع
والتهجاع: القليل من النوم، وفي ذَلِكَ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ مَعْدِي كَرِبَ:
أَمِنْ رَيْحَانَةِ الدَّاعِي السَّمِيعُ ... يُهَيِّجُنِي وَأَصْحَابِي هُجُوعُ «١»
وَقِيلَ: «مَا» نَافِيَةٌ، أَيْ: مَا كَانُوا يَنَامُونَ قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ، فَكَيْفَ بِالْكَثِيرِ مِنْهُ؟! وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا.
وَهَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمَعْنَى كَانَ عَدَدُهُمْ قَلِيلًا. ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: مَا يَهْجَعُونَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ، وَهُوَ أَضْعَفُ مِمَّا قَبْلَهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: كَانُوا يُصَلُّونَ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَابْنُ وَهْبٍ وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ أَيْ: يَطْلُبُونَ فِي أَوْقَاتِ السَّحَرِ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يَغْفِرَ ذُنُوبَهُمْ.
قَالَ الْحَسَنُ: مَدُّوا الصَّلَاةَ إِلَى الْأَسْحَارِ، ثُمَّ أَخَذُوا بِالْأَسْحَارِ الِاسْتِغْفَارَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ وَمُجَاهِدٌ: هُمْ بِالْأَسْحَارِ يُصَلُّونَ، وَذَلِكَ أَنَّ صَلَاتَهُمْ طَلَبٌ مِنْهُمْ لِلْمَغْفِرَةِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هِيَ صَلَاةُ الْفَجْرِ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ صَدَقَاتِهِمْ فَقَالَ: وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ أَيْ: يَجْعَلُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ حَقًّا لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَقَتَادَةُ: الْحَقُّ هُنَا الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، فَيُحْمَلُ عَلَى صَدَقَةِ النَّفْلِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَقَرْيِ الضَّيْفِ لِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ، وَالزَّكَاةُ لَمْ تُفْرَضْ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ، وَسَيَأْتِي في سورة: سأل سائل وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ- لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ «٢» بِزِيَادَةِ مَعْلُومٌ، وَالسَّائِلُ:
هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ النَّاسَ لِفَاقَتِهِ.
وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْمَحْرُومِ، فَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَتَعَفَّفُ عَنِ السُّؤَالِ حَتَّى يَحْسَبَهُ النَّاسُ غَنِيًّا فَلَا يَتَصَدَّقُونَ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ وَالزُّهْرِيُّ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ: هُوَ الَّذِي لَا سَهْمَ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ مِنَ الْفَيْءِ شَيْءٌ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: هُوَ الَّذِي أُصِيبَ ثَمَرُهُ أَوْ زَرْعُهُ أَوْ مَاشِيَتُهُ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هُوَ الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَائِحَةُ، وَقِيلَ: الَّذِي لَا يَكْتَسِبُ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَطْلُبُ الدُّنْيَا وَتُدْبِرُ عَنْهُ، وَقِيلَ: هو الملوك، وَقِيلَ: الْكَلْبُ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: لِي الْيَوْمَ سَبْعُونَ سَنَةً مُنْذُ احْتَلَمْتُ أَسْأَلُ عَنِ الْمَحْرُومِ، فَمَا أَنَا الْيَوْمَ بِأَعْلَمَ مِنِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ. وَالَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ، وَالْمَحْرُومُ فِي اللُّغَةِ: الْمَمْنُوعُ، مِنَ الْحِرْمَانِ وَهُوَ الْمَنْعُ، فَيَدْخُلُ تَحْتَهُ مَنْ حُرِمَ الرِّزْقَ مِنَ الْأَصْلِ، وَمَنْ أُصِيبَ مَالُهُ بِجَائِحَةٍ أَذْهَبَتْهُ، وَمَنْ حُرِمَ الْعَطَاءَ، وَمَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ لِتَعَفُّفِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ مَا نصبه من الدلائل عَلَى تَوْحِيدِهِ وَصِدْقِ وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ فَقَالَ: وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ أَيْ: دَلَائِلُ وَاضِحَةٌ وَعَلَامَاتٌ ظَاهِرَةٌ مِنَ الْجِبَالِ وَالْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَالْأَشْجَارِ وَالْأَنْهَارِ وَالثِّمَارِ، وَفِيهَا آثَارُ الْهَلَاكِ لِلْأُمَمِ الْكَافِرَةِ الْمُكَذِّبَةِ لِمَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلُ اللَّهِ وَدَعَتْهُمْ إِلَيْهِ، وَخَصَّ الْمُوقِنِينَ بِاللَّهِ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يَعْتَرِفُونَ بِذَلِكَ ويتدبرون فيه فينتفعون
(١) . هذا البيت قاله عمرو بن معدي كرب يتشوّق أخته، وكان قد أسرها الصّمّة أبو دريد بن الصّمّة.(٢) . المعارج: ٢٤- ٢٥.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute