ومنه قوله: سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ «١» أَيْ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَسَيَأْتِي فِي الصَّافَّاتِ ما المراد بآل يَاسِينَ.
قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْمُفَسِّرُونَ: يُرِيدُ يَا إِنْسَانُ: يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: مَعْنَاهُ يَا سَيِّدَ الْبَشَرِ. وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أسماء الله تعالى، روى ذَلِكَ عَنْهُ أَشْهَبُ. وَحَكَى أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ أَنَّ مَعْنَاهُ يَا سَيِّدُ. وَقَالَ كَعْبٌ: هُوَ قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ، وَرَجَّحَ الزَّجَّاجُ أَنَّ مَعْنَاهُ يَا مُحَمَّدُ.
وَاخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ عَرَبِيٌّ أَوْ غَيْرُ عَرَبِيٍّ؟ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ: حَبَشِيٌّ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: سُرْيَانِيٌّ تَكَلَّمَتْ بِهِ الْعَرَبُ فَصَارَ مِنْ لُغَتِهِمْ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: هُوَ بِلُغَةِ طَيِّئٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ بِلُغَةِ كَلْبٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي طه وَفِي مُفْتَتَحِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَا يُغْنِي عَنِ التَّطْوِيلِ هَاهُنَا وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ مُقْسَمٌ بِهِ ابْتِدَاءً.
وَقِيلَ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى يس عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مَجْرُورًا بِإِضْمَارِ الْقَسَمِ. قَالَ النَّقَّاشُ: لَمْ يُقْسِمِ اللَّهُ لِأَحَدٍ مِنْ أَنْبِيَائِهِ بِالرِّسَالَةِ فِي كِتَابِهِ إِلَّا لِمُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ تَعْظِيمًا لَهُ وَتَمْجِيدًا، وَالْحَكِيمُ الْمُحْكَمُ الَّذِي لَا يَتَنَاقَضُ وَلَا يَتَخَالَفُ، أَوِ الْحَكِيمُ قَائِلُهُ، وَجَوَابُ الْقَسَمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ وَهَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ رِسَالَتَهُ مِنَ الْكُفَّارِ بِقَوْلِهِمْ: لَسْتَ مُرْسَلًا «٢» وقوله: عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ خَبَرٌ آخَرُ لَإِنَّ، أَيْ: إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ: الطَّرِيقُ الْقَيِّمُ الْمُوصِلُ إِلَى الْمَطْلُوبِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: عَلَى طَرِيقَةِ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ تَقَدَّمُوكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ قَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَأَبُو بَكْرٍ بِرَفْعِ «تَنْزِيلُ» عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: هُوَ تَنْزِيلُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِقَوْلِهِ يس إِنْ جُعِلَ اسْمًا لِلسُّورَةِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ، أَيْ: نَزَّلَ الله ذلك تنزيل العزيز الرحيم. والمعنى: أن القرآن تنزيل العزيز الرحيم، وقيل المعنى: إِنَّكَ يَا مُحَمَّدُ تَنْزِيلُ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَقِيلَ: هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَدْحِ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِالنَّصْبِ، وَعَبَّرَ سُبْحَانَهُ عَنِ الْمُنَزَّلِ بِالْمَصْدَرِ مُبَالَغَةً حَتَّى كَأَنَّهُ نَفْسُ التَّنْزِيلِ، وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ يَزِيدُ بْنُ الْقَعْقَاعِ وَشَيْبَةُ «تَنْزِيلِ» بِالْجَرِّ عَلَى النَّعْتِ لِلْقُرْآنِ أَوِ الْبَدَلِ مِنْهُ، وَاللَّامُ فِي لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آباؤُهُمْ يَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بتنزيل، أَوْ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، أَيْ: أَرْسَلْنَاكَ لِتُنْذِرَ، وَ «مَا» فِي مَا أُنْذِرَ آباؤُهُمْ هِيَ النَّافِيَةُ، أَيْ: لَمْ يُنْذَرْ آبَاؤُهُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً أَوْ مَوْصُوفَةً، أَيْ: لِتُنْذِرَ قَوْمًا الَّذِي أُنْذِرَهُ آبَاؤُهُمْ، أَوْ لِتُنْذِرَهُمْ عَذَابًا أُنْذِرَهُ آبَاؤُهُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً، أَيْ: إِنْذَارَ آبَائِهِمْ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا نَافِيَةٌ يَكُونُ الْمَعْنَى: مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ بِرَسُولٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمُ الْأَقْرَبُونَ لِتَطَاوُلِ مُدَّةِ الْفَتْرَةِ، وَقَوْلِهِ: فَهُمْ غافِلُونَ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْيِ الْإِنْذَارِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ:
أَيْ لَمْ يُنْذَرْ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ غَافِلُونَ، وَعَلَى الْوُجُوهِ الْآخِرَةِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لِتُنْذِرَ، أَيْ: فَهُمْ غَافِلُونَ عَمَّا أَنْذَرْنَا بِهِ آبَاءَهُمْ، وَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى عَلَى النَّفْيِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنَ النَّظْمِ لِتَرْتِيبِ فَهُمْ غَافِلُونَ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ هِيَ الْمُوَطِّئَةُ لِلْقَسَمِ، أَيْ: وَاللَّهِ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ وَمَعْنَى حَقَّ: ثَبَتَ وَوَجَبَ الْقَوْلُ، أَيِ: الْعَذَابُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ، أَيْ: أَكْثَرِ أهل
(١) . الصافات: ١٣٠.(٢) . الرعد: ٤٣.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute