صَلَاةِ الظُّهْرِ هِيَ بِقَوْلِهِ: وَقَبْلَ غُرُوبِها لِأَنَّهَا هِيَ وَصَلَاةُ الْعَصْرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْآيَةِ صَلَاةُ التَّطَوُّعِ، وَلَوْ قِيلَ: لَيْسَ فِي الْآيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى الصَّلَاةِ، بَلِ الْمُرَادُ التَّسْبِيحُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، أَيْ: قَوْلُ الْقَائِلِ سُبْحَانَ اللَّهِ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بَعِيدًا مِنَ الصواب، والتسبيح وَإِنْ كَانَ يُطْلَقُ عَلَى الصَّلَاةِ وَلَكِنَّهُ مَجَازٌ، وَالْحَقِيقَةُ أَوْلَى إِلَّا لِقَرِينَةٍ تَصْرِفُ ذَلِكَ إِلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ، وَجُمْلَةُ لَعَلَّكَ تَرْضى مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ فَسَبِّحْ، أَيْ: سَبِّحْ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ رَجَاءَ أَنْ تَنَالَ عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ مَا تَرْضَى بِهِ نَفْسُكَ، هَذَا عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ. وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ تُرْضَى بِضَمِّ التَّاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ أَيْ: يَرْتَضِيكَ رَبُّكَ وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى مَا مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي الحجر «١» . والمعنى: لا تطل نظر عينيك، و «أَزْواجاً» مفعول «متعنا» ، و «زهرة» مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْحَالِ، أَوْ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: جَعَلْنَا أَوْ أَعْطَيْنَا، ذَكَرَ مَعْنَى هَذَا الزَّجَّاجُ. وَقِيلَ: هِيَ بَدَلٌ مِنَ الْهَاءِ فِي «بِهِ» بِاعْتِبَارِ مَحَلِّهِ، وَهُوَ النَّصْبُ لَا بِاعْتِبَارِ لَفْظِهِ، فَإِنَّهُ مَجْرُورٌ كَمَا تَقُولُ: مَرَرْتُ بِهِ أَخَاكَ. وَرَجَّحَ الْفَرَّاءُ النَّصْبَ عَلَى الْحَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بَدَلًا، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُنْتَصِبَةً عَلَى الْمَصْدَرِ، مِثْلَ «صِبْغَةَ اللَّهِ» وَ «وَعَدَ اللَّهُ» وزَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا: زِينَتُهَا وَبَهْجَتُهَا بِالنَّبَاتِ وَغَيْرِهِ.
وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ زَهْرَةَ بِفَتْحِ الْهَاءِ، وَهِيَ نَوْرُ النَّبَاتِ، وَاللَّامُ فِي لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِمَتَّعْنَا، أَيْ: لِنَجْعَلَ ذَلِكَ فِتْنَةً لَهُمْ وَضَلَالَةً، ابْتِلَاءً مِنَّا لَهُمْ، كَقَوْلِهِ: إِنَّا جَعَلْنا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ «٢» ، وقيل: لنعذبنهم، وَقِيلَ: لِنُشَدِّدَ عَلَيْهِمْ فِي التَّكْلِيفِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى أَيْ: ثَوَابُ اللَّهِ، وَمَا ادَّخَرَ لِصَالِحِي عِبَادِهِ فِي الْآخِرَةِ خَيْرٌ مِمَّا رَزَقَهُمْ فِي الدُّنْيَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْقَطِعُ، وَهَذَا يَنْقَطِعُ، وَهُوَ مَعْنَى: وَأَبْقى. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَذَا الرِّزْقِ مَا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْغَنَائِمِ وَنَحْوِهِا. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ الْخَيْرِيَّةِ الْمُحَقَّقَةَ وَالدَّوَامَ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ إِنَّمَا يَتَحَقَّقَانِ فِي الرِّزْقِ الْأُخْرَوِيِّ لَا الدُّنْيَوِيِّ، وَإِنْ كَانَ حَلَالًا طَيِّبًا: مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ «٣» . وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ أَمَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِأَنْ يَأْمُرَ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ أَهْلُ بَيْتِهِ، وَقِيلَ: جَمِيعُ أُمَّتِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَاهُنَا الْأَمْرَ مِنَ اللَّهِ لَهُ بِالصَّلَاةِ، بَلْ قَصَرَ الْأَمْرَ عَلَى أَهْلِهِ، إِمَّا لِكَوْنِ إِقَامَتِهِ لَهَا أَمْرًا مَعْلُومًا، أَوْ لِكَوْنِ أَمْرِهِ بِهَا قَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، أَوْ لِكَوْنِ أَمْرِهِ بِالْأَمْرِ لِأَهْلِهِ أَمْرًا له، ولهذا قال: وَاصْطَبِرْ عَلَيْها أي: اصْبِرْ عَلَى الصَّلَاةِ، وَلَا تَشْتَغِلْ عَنْهَا بِشَيْءٍ من أمور الدنيا لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً أَيْ: لَا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ نَفْسَكَ وَلَا أَهْلَكَ، وَتَشْتَغِلَ بِذَلِكَ عَنِ الصَّلَاةِ نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَنَرْزُقُهُمْ وَلَا نُكَلِّفُكَ ذَلِكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى أَيِ: الْعَاقِبَةُ الْمَحْمُودَةُ، وَهِيَ الْجَنَّةُ لِأَهْلِ التَّقْوَى عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ كَمَا قَالَ الْأَخْفَشُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّقْوَى هِيَ مَلَاكُ الْأَمْرِ، وَعَلَيْهَا تَدُورُ دَوَائِرُ الْخَيْرِ وَقالُوا لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَيْ: قَالَ كُفَّارُ مَكَّةَ: هَلَّا يَأْتِينَا مُحَمَّدٌ بِآيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ، كَمَا كَانَ يَأْتِي بِهَا مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ؟ وَذَلِكَ كَالنَّاقَةِ وَالْعَصَا، أَوْ هَلَّا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي قَدِ اقْتَرَحْنَاهَا عَلَيْهِ؟ فَأَجَابَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولى يُرِيدُ بالصحف
(١) . الحجر: ٨٨. [.....](٢) . الكهف: ٧.(٣) . النحل: ٩٦.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute