محالة. ثم قال تعالى: ﴿فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ﴾ أي ذهب ضوؤها كقوله تعالى: ﴿وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ﴾ [التكوير: ٢] وكقوله تعالى: ﴿وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ﴾ [الانفطار: ٢] ﴿وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ﴾ أي انفطرت وانشقت وتدلت أرجاؤها ووهت أطرافها.
﴿وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ﴾ أي ذهب بها فلا يبقى لها عين ولا أثر كقوله تعالى: ﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً﴾ [طه: ١٠٥ - ١٠٧] الآية. وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً﴾ [الكفه: ٤٧] وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ﴾ قال العوفي عن ابن عباس: جمعت. وقال ابن زيد: وهذه كقوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ﴾ [المائدة: ١٠٩] وقال مجاهد: ﴿أُقِّتَتْ﴾ أجلت. وقال الثوري عن منصور عن إبراهيم ﴿أُقِّتَتْ﴾ أو عدت وكأنه يجعلها كقوله تعالى:
ثم قال تعالى: ﴿لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ لِيَوْمِ الْفَصْلِ وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ يقول تعالى لأي يوم أجلت الرسل وأرجئ أمرها حتى تقوم الساعة كما قال تعالى: ﴿فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ﴾ [إبراهيم: ٤٧ - ٤٨] وهو يوم الفصل كما قال تعالى: ﴿لِيَوْمِ الْفَصْلِ﴾ ثم قال تعالى معظما لشأنه: ﴿وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ أي ويل لهم من عذاب الله غدا وقد قدمنا في الحديث أن ويل واد في جهنم ولا يصح.
يقول تعالى: ﴿أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ﴾ يعني من المكذبين للرسل المخالفين لما جاءوهم به ﴿ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ﴾ أي ممن أشبههم ولهذا قال تعالى: ﴿كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ قاله ابن جرير (١). ثم قال تعالى ممتنا على خلقه ومحتجا على الإعادة بالبداءة:
﴿أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ﴾ أي ضعيف حقير بالنسبة إلى قدرة الباري ﷿ كما تقدم في سورة يس في حديث بسر بن جحاش «ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه؟»(٢).
(١) تفسير الطبري ١٢/ ٣٨٤. (٢) أخرجه أحمد في المسند ٤/ ٢١٠.